جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الهدنة فى غزة والعيون على الضفة

لا يوجد ما يسمونه الهدوء، فى إسرائيل الوضع الأمنى مثل الألعاب الهوائية ما إن تلامس إحداها الأرض تنطلق الأخرى إلى السماء.. خلال الأسبوع الماضى كنا على موعد مع كل شىء فى السياسة الإسرائيلية مجمعًا، كان أسبوعًا «ملغمًا» و«مُكثفًا».. اعتقال ثم تهديدات ثم اغتيال ثم عملية عسكرية ثم اعتقال ثم تفاوض ثم وقف إطلاق النار، من كان يريد كورسًا مكثفًا فى الشئون الإسرائيلية ما كان سيجد أفضل من متابعة أحد الأيام الماضية، هذا هو الصراع منذ سنوات، لا أحد لديه الفانوس السحرى لإنهاء كل هذا، فالمارد رحل منذ زمن بعيد.

لم تعطنا الأحداث وقتًا للهدوء، أو حتى فحص ما جرى على نحو أوسع، أغلقنا الباب فى غزة، وفتحناه فى الضفة.

يوم الثلاثاء الماضى «بعد يوم ونصف اليوم من وقف إطلاق النار فى غزة»، أعلن الجيش الإسرائيلى عن أنه تم القضاء على الناشط الفلسطينى إبراهيم النابلسى، فى عملية من عمليات منتصف الليل التى تشبه أفلام الحركة.

مقاتلو فرقة يمام «فرقة عسكرية خاصة من حرس الحدود» ومن الجيش الإسرائيلى تحركت إلى القصبة فى وسط نابلس، بعد أن حددت الجهات الاستخباراتية مكانه، وبحسب الشاباك، كان النابلسى متورطًا فى سلسلة عمليات إطلاق نار بمنطقة نابلس فى الأشهر الأخيرة، ونجح عدة مرات فى التملص من محاولات اعتقاله، وتحصّن هذه المرة فى مخبأ، وتبادل إطلاق النار معها.

وقبل مقتله، أرسل رسالة صوتية على الـ«واتس آب» إلى والدته، يودعها ويعلن نيته الموت شهيدًا، وطلب من رفاقه عدم التخلى عن سلاحهم وعن مقاومة الاحتلال الإسرائيلى.

بنظرة أوسع، فإن العمليات فى الضفة هى التى تقف خلف المواجهات العسكرية فى غزة، الشرارة الأولى والتى نسفت كل شىء لم تكن اعتقال «بسام السعدى».. كانت العمليات التى بدأت فى مارس الماضى ونفذتها خلايا فلسطينية فى الضفة، ومنذ ذلك الحين أطلقت إسرائيل عملية «كاسر الأمواج» والتى كان الهدف منها القضاء على عناصر الجهاد الإسلامى وحماس الذين ينشطون فى الضفة الغربية، والتى تطورت فيما بعد حتى عملية «الفجر الصادق» ضد الجهاد الإسلامى.

تعلمنا الأيام القليلة الماضية أن التصعيد يبدأ بالاغتيال والاعتقال، لكن حالة «النابلسى» مختلفة، فهو ليس له انتماء تنظيمى واضح، مع حقيقة أنه خلال الشهور الأخيرة نشطاء ممن نفذوا عمليات ضد إسرائيل فى الضفة ينتمون لتنظيمات محلية، تنشط جنين ونابلس، فالقصة لا تدور حول نشاط مثير للانتباه للجهاد الإسلامى وحماس داخل الضفة الغربية.

الفكرة أن الجبهات تقسمت، فى غزة هناك الجهاد الإسلامى وحماس، وتنظيمات أخرى، وفى المعركة الأخيرة مثل عملية «الحزام الأسود ٢٠١٩» لم تتدخل حماس فى المواجهة، وفى الضفة تنشط تنظيمات تابعة لحركة فتح والجهاد وحماس وتنظيمات محلية جديدة «هى التى يتبعها النابلسى».

المشكلة فى هذه التنظيمات أنه لا طريق للتفاوض معها، حتى القيادة الإسرائيلية لا تعيرها الاهتمام المطلوب، والسلطة الفلسطينية تجد صعوبة فى السيطرة عليها.

كلنا يعرف أن عملية «الفجر الصادق» فى غزة أو عملية «كاسر الأمواج» فى الضفة، لم تتم بهدف قضاء إسرائيل على التنظيمات، ولم تدع إسرائيل أن هذا هو الهدف، هذه العمليات وما سبقها- وربما ما سيليها- هدفها أهداف جزئية وليست أهدافًا شاملة تخص الصراع ككل، وهو ما يعنى أنها لن تكون الأخيرة، وأن الهدوء لا يزال بعيدًا.