جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

البنات قادمات

البنات قادمات بنتائج مبهرة رغم مشاكل التعليم فى بلدنا ورغم مشاكل الثانوية العامة تحديدًا.. هذا الخبر أسعدنى بشكل خاص لاهتمامى بقضايا المرأة والفتاة فى مصر، ولأننى كنت قد توقعت تفوق البنات المصريات فى التعليم كما تفوقن من قبل فى المباريات الرياضية على مستوى العالم.. وكنت قد كتبت منذ سنوات أن النساء قادمات وتوقعت صعود حركة المرأة المصرية مع تزايد فرص التعليم ومع دعم وتذليل الصعاب أمام حركة تطور المرأة المصرية.

ومن المؤكد أن هناك حركة وفرصًا أمام تقدم النساء والبنات المصريات فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى خصص عامًا للمرأة المصرية، وفتح الباب لدعمها واحترامها وتطوير القوانين الخاصة بأوضاعها، وكانت المقدمة حينما شاركت المرأة والفتاة المصرية فى الحركة الوطنية بوقوفها بشجاعة فى الصفوف الأولى للثورة الشعبية من أجل الخلاص من الظلاميين، وتقدمن الصفوف بالهتاف والغضب من الممارسات الإجرامية ضد الشعب المصرى، وذلك فى الثورة الشعبية العظيمة فى ٣٠ يونيو٢٠١٣ للمطالبة بحرية الوطن، والتخلص من حكم جماعة الإخوان الذى كان يسعى لتدمير بلدنا وإعادته إلى الوراء، إلى عصور الجاهلية وتحقير المرأة، ووأد البنات.

أدركت المرأة والفتاة المصرية بذكائها وفطنتها أن الظلاميين يسعون لعزلها وأنها ستكون كبش الفداء الأول لهم، وأدركت أن الفتاوى المتطرفة التى تستخدم الدين خطأ تصدر كلها ضدها وتحض على تهميشها وعزلها والتقليل من شأنها، وانتزاع كل المكتسبات التى كانت قد حصلت عليها بعد سنوات طويلة من النضال والكفاح للحصول على هذه المكتسبات، ولا تزال هناك أياد تلعب فى الظلام ولا يزال هناك دعاة يستخدمون الفتاوى الدينية المتشددة التى تحض على التقليل من شأن المرأة ويتحينون الفرص لإصدار فتاوى ضدها، ومنهم من يتحدثون بانتظام فى الفضائيات وتجرى لهم حوارات فى تحقير النساء، ومنهم مبروك عطية وعبدالله رشدى وغيرهما من الدعاة الذين ينشرون التطرف والفكر المناهض لحركة تقدم المرأة المصرية.

ولا بد أن أقول إن دعم الرئيس عبدالفتاح السيسى ورعايته المرأة المصرية والدعوة لاحترامها وتعيين سيدات فى مناصب عليا وفعالة، كل هذا أثمر اهتمامًا من المسئولين بها وفتح أمامها فرصًا أكبر للتقدم والتفوق.

وفى الوقت نفسه، فإن تفوق البنات المبهر هذا العام فى الثانوية العامة الذى تم الإعلان عنه منذ أيام قليلة هو فخر لنا جميعًا نتباهى به أمام العالم ويعكس تقدم مصر إلى الأمام، ورفض المصريين أى عودة إلى الوراء، وهو مؤشر فى تقديرى لمزيد من تفوق البنات وانعكاس لرغبة البنت المصرية فى إثبات أنها لا تقل فى التعليم والذكاء عن الشاب فى شىء، بل إنها تتفوق عليهم، وهذا التفوق الرائع والمبشر سيؤدى فى تقديرى إلى انضمام المزيد من البنات وتصاعد حركتهن إلى الأمام فى السنوات المقبلة.. ويعود بالدرجة الأولى إلى عاملين:

أولهما: إرادة واجتهاد وإصرار على النجاح من جانب الفتاة المصرية.

ثانيهما: دور أسرهن فى دعمهن وتشجيعهن والإيمان بقدراتهن وتهيئة الجو لهن للتفوق، خاصة الأم التى تسهر وترعى وتشجع ابنتها، والأب الذى ينفق على التعليم والدروس الخصوصية ليدعم ابنته ويساعدها فى عملية التحصيل والمراجعة مع المدرسين فى الدروس الخصوصية.

إننا لكى نكون صادقين مع أنفسنا لا بد من أن نواجه حقيقة واضحة كالنهار وهى أن نظام الثانوية العامة فى مصر هو نظام قديم، ولا بد أن يتغير وأن يواكب التطور الذى يشهده العالم من حولنا، فما زال هناك كابوس يعانى منه التلاميذ كما تعانى منه الأسر التى لديها ابنة او ابن فى الثانوية العامة، وحتى لا نكون كالنعام التى تدفن رأسها فى الرمال ظنًا منها أنه لن يراها أحد إلا أنها تكون ظاهرة للعيان، فإن معظم التلاميذ يستعينون بالدروس الخصوصية للتحصيل، لذا نظام التعليم لدينا فى مصر لا بد أن يجد حلًا لمشاكله المتفاقمة.

فالتعليم فى مدارس الحكومة فاقد الجودة، والفصول مزدحمة وقديمة، والمدرسون لا يكترثون لأداء دورهم وبما يمكن التلميذ من الاعتماد على المدرسة، ولهذا يكون الملجأ للتفوق والفهم هو الدروس الخصوصية. 

أما فى التعليم الخاص ومدارس اللغات الخاصة والشهادات الدولية التى يلتحق بها أبناء الطبقة فوق المتوسطة هربًا من التعليم الحكومى الذى به عيوب ومشاكل معروفة ومزمنة- فإن المصاريف تكون باهظة تفوق قدرة الأهالى فى الطبقات فوق المتوسطة وليست لها حدود فى ارتفاعها، ووصلت هذا العام لأرقام خيالية بلا رحمة أو معايير ثابتة، بل ارتفعت مصاريف المدارس الخاصة ومدارس اللغات والمدارس التى تمنح شهادات دولية إلى مبالغ ومصاريف باهظة لا ضابط لها ولا حدود لشطحاتها المادية.

وأمامى الآن تصريح جاء كاشفًا لعيوب التعليم المصرى وجاء بمنتهى الصراحة على لسان الطالبة التى حصلت على المركز الأول فى الثانوية العامة علمى علوم، حيث كشفت فى لحظة وبعبارة واحدة عن مدى تقصير المدارس فى تخريج متفوقين وعجز نظام التعليم الحكومى عن تخريج تلاميذ متفوقين، وضرورة الاستعانة بالدروس الخصوصية للتحصيل والمراجعة والتفوق.

وقالت الطالبة ملك عبدالفتاح محمود الشبشيرى بمدرسة تلا الثانوية الجديدة، بكل صراحة فور علمها بأنها الأولى علمى علوم: «ده أحلى يوم فى حياتى وسألتحق بكلية الطب وأن الدروس الخصوصية لها دور كبير أيضًا فى التحصيل الدراسى حتى تتمكن من الوصول إلى التحصيل الكامل، مؤكدة أن الهدف والسعى والإرادة هى أساس التفوق دائمًا، وأنه إذا كنت تحصل على دروس دون الاجتهاد، فهذا لن يحقق أى شىء، كما قدمت الشكر لأسرتها لمساعدتها فى التفوق.

وفى شعبة الأدبى كانت الأولى أيضًا فتاة هى زينب أكرم حسن حميدة من الفيوم، كما حصدت المركز الثانى فى الثانوية علمى رياضة مريم حسن عبدالمنعم عويس من الجيزة، وإذا كانت نتائج الثانوية العامة هذا العام قد أكدت تفوق البنات وحصولهن على المراكز الأولى هذا العام، فإننى أعتقد أنها مقدمة تبشر بمزيد من التفوق للفتيات المصريات، إلا أنه أيضًا لا بد من أن نطالب د. طارق شوقى وزير التربية والتعليم بالنظر فى مشاكل التعليم المصرى المستمرة، والمتفاقمة فى بلدنا رغم أن التعليم والصحة هما أساس تقدم المجتمعات. 

ويا وزير التربية والتعليم نأمل أن تسعى فى حل مشاكل كابوس الثانوية العامة فى بلدنا، وأن تسعى لحل مشاكل التعليم فى المدارس الحكومية التى وصل بعضها إلى أوضاع غير محتملة وغير آدمية، رغم أنها كانت حتى السبعينيات من القرن الماضى تخرج طلبة متفوقين، وكانت الفصول عددها مناسب وكان المدرسون فيها هم أفضل المدرسين، وكانت الأسر المتوسطة وفوق المتوسطة تلحق بها أبناءها وبناتها، وكان التعليم ميسرًا ومتاحًا فى المدارس الخاصة، حيث كانت المصاريف معقولة وغير مبالغ فيها مثلما يحدث الآن، وأتمنى يا د. طارق شوقى أن تسعى لوقف الزيادات الرهيبة فى مصاريف مدارس اللغات والمدارس الدولية والمدارس الخاصة التى أصبحت فوق طاقة أى بيت مصرى.