جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

متلازمة ستوكهولم ومسئولية الإعلام

أقترح ندوات تثقيفية عاجلة مكثفة لمنْ يشتغل فى الإعلام، المرئى والمسموع والمقروء، عنوانها «نسف الذكورية».. ليس من المعقول أو من المقبول، ونحن ننادى بالعدالة بين الجنسين، وعدم التمييز العنصرى ضد النساء فى جميع المجالات، وفى كل مؤسسات الدولة، وحتى داخل البيوت من خلال تشريعات عادلة لقوانين الأحوال الشخصية- أن يطل علينا الإعلام فى غالبية الأحوال بأفكار وحوارات ومقابلات، وتعليقات، وآراء، من إعلاميات وإعلاميين، غارقين فى الثقافة الذكورية، وكأنهم فى بلد آخر. 

ليس من المعقول أن تضع الدولة بجانب كل إعلامية وإعلامى شخصًا يراقب عدم التمييز العنصرى، وخلو البرامج من الفكر الذكورى الفاسد قلبًا وقالبًا، شكلًا، وموضوعًا. 

يوميًا، أتلقى التفكير الذكورى من منصات الإعلام، وكأنه شىء عادى، مع أنه فى منتهى الاستفزاز، يحرق الدم، ويرفع الضغط، ويخفض الأمل فى «أنسنة النساء». 

طبعًا هذا يغضبنى لو جاء من النساء والرجال، لكن إذا شاهدت أو سمعت أو قرأت لإعلامية، ذكورية، تتخاطب بالمفاهيم الذكورية نفسها التى تقهرها وتهينها وتجعلها أدنى، بل وتنشرها على أنها العادات والتقاليد التى يجب الحفاظ عليها، يصبح الأمر منفرًا جدًا.. لكن من الناحية النفسية، هو مفهوم، فالمقهور والمظلوم والمغلوب والأدنى، دائمًا ما يتخذ من القاهر الظالم الغالب الأعلى، قدوة، ويتمثل مفاهيمه وأخلاقه، ويدافع عنها بحماس أكثر، وهذا يعرف بمتلازمة ستوكهولم، حيث يرتبط الشخص بشكل إيجابى بمن تسبب له فى إيذاءات جسدية أو نفسية أو عقلية، وهو مرض يحتاج إلى علاج نفسى طويل للتخلص من الخوف والتبعية وتراكم القهر القصير أو الطويل. 

وسوف أعطى مثالًا يتكرر فى الإعلام، خاصة المرئى، وقد شاهدت هذا تقريبًا فى جميع البرامج التليفزيونية التى تنزل إلى الشارع المصرى لتستمع إلى آراء الناس فى قضية معينة. 

تقول المذيعة أو المذيع: «سننزل إلى أرض الواقع الفعلى، ونسأل الشعب شخصيًا عن ارتفاع الأسعار وكيف يتكيف الناس مع هذا الأمر». 

تخرج الكاميرا إلى الشارع، وتلتقى بما لا يزيد على ٧ مواطنين، كلهم «رجال». 

ثم ترجع إلى الاستديو، حيث تقول المذيعة، أو المذيع: «بعد معرفة رأى الشعب، يسرنا استضافة فلان أو علانة، للتعليق».

ما هذه الغيبوبة الثقافية؟ ما هذا التخلف؟ ما هذا الختان الفكرى؟ ما هذه الذكورية الفجة؟ هل الشعب المصرى ذكور فقط؟ أين رأى الفتيات الإناث، و«الستات»؟ ألم يكنّ فى الشارع وقت نزول الكاميرا العنصرية؟.. وأؤكد بكل ثقة أن هذا «البتر» لرأى النساء فى أغلب البرامج، وإذا سألوا امرأة، أو اثنتين، يكون صدفة، وغير متعمد.. المذيعة، وهى امرأة، لا ترى هذا العيب الجوهرى، حتى ضيف البرنامج لا يراه، وهذا يحدث فى تليفزيون الوطن، الذى قام بثورتين، نساء ورجالًا معًا، ولدينا ضحايا من الفتيات. 

هذا «العيب» يوضح لنا أن مجتمعنا ما زال «منقوعًا» فى الذكورية، من شعر رأسه إلى طراطيف أصابع قدميه.. التفكير الحقيقى «ذكورى»، الوجدان العميق «ذكورى»، التوجه الفكرى «ذكورى»، اللغة «ذكورية». 

نحن نقول «على قلب رجل واحد»، هل «على قلب امرأة واحدة» قول خادش للحياء أو قول مهين؟.. ونحن نقول «رجل الشارع»، إشارة للمواطن العادى البسيط، أما «امرأة الشارع» فهو إشارة للمرأة سيئة السُمعة، التى تتكسب من بيع جسدها. 

هل يمكن أن يحدث العكس، وتذهب الكاميرا لتعرف رأى ٧ مواطنين، كلهم «نساء»، على أنهن يمثلن رأى الشعب المصرى؟ طبعًا لا يحدث هذا وإلا غضب الجميع وقالوا إن المذيعة، أو المذيع، يمارس ازدراء الرجال أو التفرقة العنصرية ضد الذكور، ولبسوه قضية. 

الإنسان عندنا هو الرجل، هو الذكر، ويحل محل المرأة، الأنثى، وينوب عنها، ويمثلها دون أدنى حرج أو تساؤل أو دهشة، لهذا أقترح، كما بدأت المقال، بإعطاء ندوات لمن يشتغل فى وسائل الإعلام، نساء ورجالًا، عنوانها «نسف الذكورية». 

نحن فى عصر الإعلام، على مستوى العالم كله، فهو الذى يتحكم فى العقول سريعًا وبشكل مكثف، أكثر من القرارات والقوانين، وهذه مسئولية حضارية وثقافية وتاريخية وأخلاقية هائلة، لا بد ألا يقوم بها إلا من يدركها ويؤمن بها. 

 

من بستان قصائدى 

امرأة «دقة قديمة»

اغلق كتاب العشق.. واسكب النسيان.. على صفحاته الورقية.. على صفحات الإنترنت.

ستجد ألف امرأة.. تناسبها العواطف الإلكترونية.

هكذا تصبح معبود النساء.. ورجل الحياة العصرية.

أما أنا.. امرأة «دقة قديمة». 

أحب النار الهادئة.. المواعيد المترددة. 

يأسرنى الحياء الوقور.. والرومانسية المتأنية المتمهلة.

أكتب على مهل خطابات الغرام.. وتدفئنى الأشياء الحميمة.