جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الاستثمار فى الرمال السوداء

تعتبر الولايات المتحدة الأميركية والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وأستراليا ومصر، من أكثر الدول ثراء بالرمال السوداء والرواسب المحتوية على المعادن الثقيلة.

يقدر الاحتياطي التعديني المؤكد من هذه الرمال في مصر بحوالي مليار ومائة مليون متر مكعب، ويبلغ متوسط تركيز المعادن الثقيلة فيها حوالي 3%، ليعد بذلك أكبر احتياطي على مستوى العالم.

وتتركز هذه الرمال بصفة أساسية أمام سواحل دلتا النيل على الشواطئ الواقعة على جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط‏، ‏ وفي الكثبان الرملية الساحلية، خاصة في منطقة البرلس ورشيد. كما تتواجد هذه الرمال بكثافة في المنطقة الشاطئية الواقعة شرق بحيرة البردويل بشمال سيناء.

ويعتبر نهر النيل هو المصدر الرئيسي لهذه المعادن، حيث ساهم النهر الخالد وفروعه الحالية والقديمة عبر آلاف السنين وحتى بناء السد العالي بنقل كميات كبيرة من هذه المعادن من موضعها الأصلي بالهضبة الإثيوبية مع رواسب الفيضان الموسمي إلى سواحل الدلتا بمصر.

لكن وعلى الرغم من وجود تلك الثروة الهائلة، فإنه لم يمكن حتى الآن الاستفادة منها واستغلالها بشكل اقتصادي متكامل، حيث تم تأسيس شركة خاصة في الأربعينيات لتحقيق هذا الغرض، قبل تأميمها في العام ‏1961‏‏. ولقد استمر نشاط هذه الشركة في جمع الرمال السوداء من على الشواطئ المصرية عند فرع رشيد ثم استخراج المعادن الثقيلة منها بعد إجراء عمليات الفصل والتركيز اللازمة، حتى تمت تصفية أعمال الشركة في نهاية الستينيات، لأسباب غير معلومة أو محددة.

لكن المحاولات والجهود المكثفة المبذولة طوال السنوات الأخيرة قد أسفرت عن تأسيس شركة مصرية جديدة برأسمال وطني خالص "شركة الرمال السوداء" لاستغلال وفصل المعادن الثقيلة الموجودة قبالة ساحل البرلس بمحافظة كفرالشيخ، لما تتميز به هذه المنطقة تحديدا من ثراء لافت من الرمال السوداء والمعادن الاقتصادية الثقيلة. كما تم عرض هذا المشروع ضمن الفرص الاستثمارية بالمؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ خلال عام 2015.

الرمال السوداء هى من أهم الموارد الطبيعية، حيث تحتوي على معادن متنوعة تدخل في الكثير من الصناعات الهامة الثقيلة والمتنوعة والتي تسهم في تصنيف الدول بالنسبة للترتيب العالمي اقتصاديا وعسكريا، ومن ضمن تلك الصناعات: قوالب الطائرات، السيراميك والبلاط، المنظفات، صناعة المواد الحرارية، المطاطات، مواد الصنفرة، خاصة صنفرة الحوائط، هياكل السيارات، هياكل الطائرات والصواريخ، المفاعلات النووية، الدهانات والبلاستيك والورق والأحبار والفيبر والسيراميك، سفن الفضاء والكثير من المعدات العسكرية، الصناعات الكيميائية، تحلية المياه، صناعات البنية الأساسية، الصناعات الطبية والرياضية، عملية تكرير البترول، الإلكترونيات.

ولذلك اتجهت الدولة المصرية عبر شركة الرمال السوداء إلى توطين تلك الصناعات عن طريق استقدام شركات عالمية من هولندا وأستراليا، وتسعى  جاهدة أن يكون الناتج القومي من مشروعات الرمال السوداء من 5 إلى 10 مليارات جنيه خلال السنوات القادمة، وقد شرّعت الدولة قانون الثروة المعدنية الجديد ولائحته التنفيذية 145 لسنة 2019، التي مكنتها من الاستفادة الاقتصادية من مشروعات استغلال الثروات المعدنية وتحقيق التنمية والقيمة المضافة.

وهنا السر وراء اهتمام دول العالم بالعلاقة مع مصر، لما تمتلكه من موارد طبيعية ومعادن متنوعة تحتاجها دائرة الصناعات العالمية عبر العقود القادمة والقائمة على مفهوم الإدارة الرقمية ومكوناته الصناعية من الموارد الطبيعية المصرية.