برلين.. شرم الشيخ.. وجهنم!
ممثلون عن حوالى ٤٠ دولة يتحاورون، منذ أمس الإثنين، فى العاصمة الألمانية برلين، حول كيفية مكافحة التغير المناخى. وتناولوا عددًا من الأزمات شديدة التعقيد، كنقص الغذاء وإمدادات الطاقة فى مناطق عديدة، إضافة إلى تراكم الديون فى بعض الدول، الذى يمثل عائقًا إضافيًا أمام قدرتها على التعامل مع تلك الأزمات.
حوار بيترسبرج للمناخ، الذى تنتهى فعاليته اليوم، وتتقاسم رئاسته مصر وألمانيا، هو إحدى المحطات الممهدة لقمة الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، التى تستضيف مدينة شرم الشيخ دورتها السابعة والعشرين، كوب ٢٧، فى نوفمبر المقبل، التى يأتى على رأس أهدافها خفض درجة حرارة كوكب الأرض، التى تزداد بشكل يهدد حياة البشر. وهو الهدف، الذى كنا قد أوضحنا فى مقال سابق، أنه لن يتحقق فى غياب القرارات الملزمة وخطط العمل الواضحة وآليات محاسبة الدول الكبرى.
كوارث بيئية ومناخية عديدة، خرجت عن دائرة الأزمات التقليدية، وأكدت أن العالم على حافة جهنم. وخبراء أمميون أكدوا، أواخر يوليو الماضى، على أن الأسوأ قادم. ويؤكد كل التقديرات والتقارير العلمية، بشكل واضح، أن تغير المناخ بات يمثل تهديدًا وجوديًا للكثير من الدول على نحو لم يعد ممكنًا معه تأجيل تنفيذ التعهدات والالتزامات ذات الصلة بالمناخ. على أن أبرز ما ناقشه «حوار بيترسبرج»، كان سبل التغلب على تداعيات التغير المناخى فى دول فقيرة لم تسهم إلا بقدر ضئيل فى تلك الظاهرة.
فى هذا الصدد، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال افتتاحه الجلسة رفيعة المستوى، ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لدعم الدول الإفريقية وتمكينها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وتحقيق التنمية الاقتصادية المتسقة مع جهود مواجهة تغير المناخ، من خلال مقاربة شاملة تأخذ فى الاعتبار الظروف الاقتصادية والتنموية لكل دولة، مشددًا على أهمية التعامل مع الانتقال العادل نحو مصادر الطاقة الصديقة للبيئة من منظور شامل، يمتد إلى مختلف القطاعات كالزراعة والصناعة والنقل وغيرها.
قبل ساعات من كلمة الرئيس، كان الوفد المصرى المشارك فى الدورة الرابعة لاجتماع القمة التنسيقى بين الاتحاد الإفريقى والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، بالعاصمة الزامبية لوساكا، يؤكد انخراط مصر فى مشاورات على جميع المستويات، لإيلاء أولويات القارة الاهتمام الكافى خلال قمة شرم الشيخ. ولعلك تتذكر أن الرئيس السيسى كان قد أشار فى قمة المناخ السابقة، قمة جلاسكو، أو «كوب ٢٦»، إلى أن القارة السمراء، برغم عدم مسئوليتها عن أزمة المناخ، تواجه التبعات الأكثر سلبية للظاهرة، ودعا إلى ضرورة منح دول القارة معاملة خاصة، نظرًا لوضعها الخاص وحجم التحديات التى تواجهها.
فعاليات «حوار بيترسبرج»، افتتحتها أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، بمشاركة سامح شكرى، وزير الخارجية، رئيس «كوب ٢٧» المعين، الذى استعرض التحضيرات الجارية للمؤتمر، موضحًا أن مصر تعمل على ضمان مشاركة واسعة رفيعة المستوى من جميع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية ومختلف الأطراف المعنية، حتى يخرج المؤتمر بالنتائج المنشودة. وبينما ذكرت «بيربوك» أن ألمانيا اضطرت إلى إعادة تنشيط محطات الطاقة التى تعمل بالفحم «كاحتياطى طارئ» لفترة قصيرة، قال «شكرى» إن أوضاع العالم الحالية، لا يجب استخدامها كذريعة لعدم وفاء الدول بالتزاماتها، مؤكدًا أن العقد الحاسم للعمل قد بدأ بالفعل.
مصر، كما أوضح رئيسها، ووزير خارجيتها، وكما يقول الواقع، تقوم بخطوات جادة لرفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة، وتعكف فى الوقت الراهن على إعداد استراتيجية شاملة للهيدروجين، وتسعى إلى تنفيذ خطط طموحة للربط الكهربائى مع دول المنطقة على النحو الذى يجعلها مركزًا للطاقة المتجددة فى منطقتها، إضافة إلى الخطط واسعة النطاق لزيادة الاعتماد على وسائل النقل النظيفة، سواء بالتوسع فى شبكات المترو والقطارات أو بتوطين صناعة السيارات الكهربائية، أو بتعزيز خطواتها الرامية إلى التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بمشروعات ترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع وغيرها.
لإيمانها بضرورة العمل المشترك، وتضافر الجهود للحد من تأثيرات التغير المناخى، كانت مصر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية، ولعبت دورًا مهمًا، إقليميًا ودوليًا، فى مفاوضات تغير المناخ. وبادرت باتخاذ خطوات جادة لتطبيق نموذج تنموى مستدام، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، ليس فقط حفاظًا على حق الجيل الحالى وأجيالها القادمة فى مستقبل أفضل، ولكن أيضًا لوعيها بما يمثله التحول الأخضر من فرصة واعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية فى العديد من القطاعات الحيوية.
.. وأخيرًا، ننتظر أو نتوقع، أن تنجح قمة شرم الشيخ فى إبعاد العالم عن حافة جهنم، وتطوير الخطط اللازمة لإنقاذ الكوكب، وسد الثغرات التى جعلت قرارات القمم أو الدورات الـ٢٦ السابقة مجرد حبر على ورق.