جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الحوار.. والحياة السياسية

تبدأ الجلسة الأولى للحوار الوطنى يوم الثلاثاء القادم، ولم يحدد جدول الأعمال قبل تلك الجلسة، وإن كان المنسق العام للحوار قد أعلن عن أن الحوار سيشمل كل النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وذلك بالطبع شىء طبيعى، حيث إن الحياة الآن وبشكل عام تتداخل فيها كل هذه المناحى، حيث إنها تكمل بعضها البعض وتؤثر فى بعضها بعضا.
وإن كان الرأى العام الجماهيرى لا يهتم سوى بالجانب الاقتصادى الذى يمثل له ما يسمى بلقمة العيش، مع العلم أن الجانب الاقتصادى ولقمة العيش هذه لا تتحقق ولا تنفصل عن باقى الجوانب، والحياة السياسية هى المنظم والمحدد لمجمل النواحى على اعتبار أنها هى الساحة الأصيلة التى تمارس فيها الجماهير دورها القيادى عن طريق المشاركة فى اتخاذ القرار من خلال ممارسة حق الترشح والانتخاب فى كل الانتخابات العامة.
نعم وبكل وضوح فإن هناك من يعتبر أن السياسة لعبة قذرة، وذلك لوصول غير المسيسين وأصحاب المصالح الخاصة والذاتية الذين لا يعملون لغير مصالحهم فى ظل أى نظام وتحت أى مسمى، وذلك عن طريق وصولهم للمواقع السياسية بالانتخابات التى يسيطر عليها المال وتحكمها الوصايات السياسية والاقتصادية والدينية والعرقية والطائفية والقبلية. ناهيك عن تاريخ الأحزاب المصرية ومنذ تأسيس هذه الأحزاب فى أوائل القرن العشرين.
ذلك التاريخ الذى يؤكد أنها أحزاب لا تعتمد على برامجها الحزبية حيث الاختيار بين حزب وآخر بناءً على ذلك البرنامج ولكنها كانت ولا تزال تعتمد على الزعامة الفردية لمؤسس أو صاحب هذا الحزب «مصطفى كامل.. سعد زغلول.. جمال عبدالناصر.. إلخ».
فما بالك الآن وأنه لدينا أحزاب عددها كعدد الليمون بلا طعم ولا نكهة حتى إن المنتمين إليها لا عن قناعة سياسية أو حزبية ولكنها المصلحة أو الأوامر، إضافة إلى أن النخبة السياسية التى شاركت فى ثورة ٢٥ يناير لم تكن مهيئة لقيادة الموقف، فكان البديل السطوة والاختطاف الإخوانى لهذه الثورة. ولذا كان من الطبيعى بعد ثورة ٣٠ يونيو أن يكون الاتجاه إعادة الأمن والاستقرار وهيبة الدولة ومواجهة الإرهاب، وتأجيل فكرة الممارسة السياسية، حيث كانت هناك محاذير من إعادة الأوضاع التى أسقطتها يونيو عن طريق تلك الممارسة السياسية، ولكن بعد تحقيق الأمن والاستقرار وإلغاء قانون الطوارئ وأخذ خطوات فيما يخص حقوق الإنسان، أصبح لزامًا علينا تفعيل الحياة السياسية التى تعمل وتؤكد حق المشاركة فى اتخاذ القرار صونًا للوطن وحماية للمواطنين وخدمة ومساندة لأى نظام سياسى.
لذا مطلوب الحوار الجاد والحقيقى فى بند السياسة والحياة السياسية، ومن الطبيعى ألا تكون هناك سياسة دون حرية سياسية وحرية التعبير عن الرأى فى كل الوسائل الإعلامية والاتصالاتية وبالطبع فى إطار الدستور والقانون الذى يعطى هذا الحق أى المطلوب هو تفعيل هذا الدستور وذلك القانون، وتلك الحرية عربونها الآن هو الإفراج عن كل معتقلى الرأى والسياسية من غير من تلطخت أياديهم بالدماء.
أما المشاركة السياسية فى اتخاذ القرار، فهذا لا يتحقق على أرض الواقع بغير نظام انتخابى آخر غير ذلك النظام الذى جاء بالبرلمان والشيوخ الحاليين، حيث إن نظام القوائم المطلقة لا يصلح إطلاقًا للتعبير الحقيقى والمشاركة الفعلية للجماهير خاصة تلك الجماهير غير القادرة على إيجاد لقمة العيش فيها، فما بالك من المشاركة فى مثل هذه الانتخابات التى تصرف فيها وعليها الملايين التى لا نعلم مصدرها الشرعى فنكون مساهمين فى تفشى الفساد لا محاربته.
ولذا لا يصلح نظامًا انتخابيًا غير نظام القوائم النسبية غير المشروطة والتى تعطى الحق لكل صوت فى التمثيل الانتخابى، حيث إن النظام الفردى يسقط تمثيل الـ٤٩ فى المائة من الأصوات.
كما أن عدد هذه الأحزاب الورقية لا يعنى الديمقراطية من قريب أو من بعيد، فالواقع السياسى المصرى يقول إن الحياة الحزبية تعتدل وتأخذ وضعها الطبيعى عن طريق عدة أحزاب لا تتعدى أصابع اليد الواحدة لتمثيل التوجهات الرئيسية التى تشمل حياتنا السياسية بعيدًا عن ما يسمى بالتيار السياسى الإسلامى حيث يعتمد على تأجيج العاطفة الدينية التى لا علاقة لها بالسياسة ولا بالبرامج السياسية ناهيك عن قسمة المجتمع بين متدين وبين من هو ضد الدين.
فهل للحوار أن يناقش تلك القضايا وغيرها فى إطار عودة حقيقية للحياة السياسية المصرية فى إطارها المصرى والوطنى لصالح الجماهير والنظام ومصر وطننا الغالى والعزيز وطن كل المصريين؟