الجوع.. والغضب
باحثون من جامعة «أنجليا روسكين» البريطانية و«كارل لاندشتايمر» فى النمسا، تعبوا أنفسهم و٦٤ آخرون من دول وسط أوروبا، وتفرغوا لمدة ٢١ يومًا، أو أكثر، للقيام بدراسة انتهت إلى أن الجوع يزيد من شعور الإنسان بالغضب والتوتر ويقلل من إحساسه بالسعادة.
الدراسة، التى نشرتها الدورية العلمية «بلوس وان»، PLOS ONE، وصفتها وكالة الأنباء الألمانية بأنها «أول دراسة من نوعها تبحث فى تأثير الجوع على انفعالات البشر اليومية»، مع أن مصطلح «الجوع المقترن بالغضب»، ظهر منذ أكثر من قرن، تحديدًا سنة ١٩١٨. كما أن العلاقة بين الجوع والغضب وكل المشاعر السلبية التى يمكن أن تتخيلها، رصدها وشرحها الكاتب النرويجى كنوت همسون، سنة ١٨٩٠، فى رواية «الجوع»، التى تحولت إلى فيلمين بالعنوان نفسه، أولهما دنماركى نرويجى سويدى، أخرجه هينينج كارلسين سنة ١٩٦٦، والثانى أمريكى انتهت منه المخرجة ماريا جيسى سنة ٢٠٠١، وتم عرضه بعد ست سنوات.
لا علاقة للرواية، أو الفيلمين، بفيلم «الجوع»، الذى أخرجه على بدرخان سنة ١٩٨٦، واقتسم بطولته محمود عبدالعزيز وسعاد حسنى، التى تصادف أنها كانت قد غنت سنة ١٩٨٥، فى «تيتر» مسلسل «هو وهى»، الذى كتبه صلاح جاهين، «أقرب طريق إلى قلب جوزك معدته»، وهو المعنى الذى أكدته دراسة أجرتها «كنجز كوليدج» البريطانية، سنة ٢٠١٤، قالت إن الأزواج يكونون أسرع غضبًا وعدوانية تجاه بعضهم البعض، عندما يزداد إحساسهم بالجوع. وأوضحت صوفى ميدلين، المحاضرة فى علوم التغذية والنظم الغذائية فى تلك الجامعة، أن تراجع مستويات السكر فى الدم يرتبط بوجود علاقات أكثر عدوانية بين الأزواج.
أيضًا، فى يونيو ٢٠١٨، أجرى باحثون أمريكيون، فى جامعة نورث كارولينا، تجربة على أكثر من ٤٠٠ شخص، طلبوا منهم تحديد درجة جوعهم، وعرضوا عليهم صورًا تم تصميمها لخلق مشاعر إيجابية أو محايدة أو سلبية، وأظهرت النتائج أن المشاركين الأكثر جوعًا كانوا أكثر ميلًا لتصنيف كل الصور على أنها سلبية. وفى تجربة منفصلة، طلبوا من المشاركين إما تناول الطعام أو الصيام مسبقًا، ثم قاموا بتعريضهم لاستفزازات. وأظهرت النتائج أن الجوعى كانوا أكثر غضبًا، تجاه تلك الاستفزازات.
المهم، هو أن الباحثين البريطانيين والنمساويين طلبوا من المبحوثين أو المشاركين فى التجربة، الأربعة والستين، أن يسجلوا درجات شعورهم بالجوع على مدار اليوم، والانفعالات التى تقترن بالجوع لديهم خلال فترة ٢١ يومًا. وبالفعل، قاموا بتسجيل درجة شعورهم بالجوع والانفعالات المصاحبة خمس مرات فى اليوم من خلال تطبيق على التليفون المحمول، ما أتاح إمكانية تسجيل ردود فعلهم فى بيئات مختلفة، مثل أماكن العمل أو المنزل، على مدار اليوم. وتبين من خلال الدراسة أن الجوع يرتبط بالفعل باستثارة انفعالات قوية مثل الغضب والتوتر والاضطراب مع تراجع الشعور بالسعادة بشكل ملموس، حتى مع الأخذ فى الاعتبار بعض العوامل الديموغرافية مثل السن والنوع وكتلة الجسم والعادات الغذائية والسمات الشخصية للمتطوعين.
لم تقترح الدراسة حلولًا لتخفيف المشاعر السلبية المقترنة بالجوع، غير أن فيرين سوامى، أستاذة علم النفس الاجتماعى، التى قادت فريق الباحثين، قالت لموقع «ميديكال إكسبريس» المتخصص فى العلوم الطبية، إنها وفريقها يعتقدون أن معرفة الأسباب وراء شعور أو انفعال معين يمكن أن يساعد الشخص على السيطرة والتحكم فى هذا الشعور، بمعنى أن معرفة الإنسان أن شعوره بالغضب نابع من إحساسه بالجوع، تتيح له التحكم فى هذا الشعور السلبى والسيطرة عليه.
.. وأخيرًا، لا نعتقد أنك تحتاج إلى دراسات أو أبحاث لكى تعرف أن الجوع لا يؤدى إلى الغضب فقط، بل يقود أيضًا إلى عواقب سلبية مختلفة منها التعب وصعوبة التركيز، وربما الموت. أما ما قد يكون مفاجئًا، فهو أن باحثين فى كلية الطب بجامعة «إيمورى» الأمريكية قاموا بتطوير علاج يقوم بتجميد «العصب المبهم»، المعروف باسم «العصب الرئوى المَعِدى»، المسئول عن إخبار المخ بأن المعدة فارغة، ونجحوا بنسبة ١٠٠٪ فى القضاء على الإحساس بالجوع، لدى كل من أجروا عليهم التجارب. وقطعًا، سيؤدى هذا العلاج إلى نتائج كارثية، حتى لو تنالوه الذين يعانون من السمنة المفرطة.