جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

غضب وخوف غربى.. أخطبوط الصناعة الدوائية فى العالم

كوارث وحروب وأزمات كثيرة عصفت بالعالم مؤخرًا.. برزت فيها أسماء دول تحدت العالم أجمع. وبينما تبرز روسيا كفاعل أكبر فى الحروب.. أثبت التنين الصينى تغلغله فى الخفاء.. فإذا قالوا قديمًا "كل الطرق تؤدى إلى روما".. نستطيع اليوم أن نقول "كل الطرق تؤدى إلى بكين".

بعيدًا عن قطاع الملابس والصناعات الخفيفة والإلكترونيات.. تبرز الصين كمسيطر أكبر على قطاع هو الأهم فى العالم.. إنه قطاع الأدوية والعقاقير الطبية، والتى أثبتت الأرقام اليوم أن المتحكم الأكبر فيها هو التنين الصينى.. أخطبوط الصناعة الدوائية فى العالم.

مع انتشار فيروس كورونا عام 2019.. استفاق العالم على واقع فاجأ الدول الكبرى، وهو أن الصين كانت على مدى أعوام تسيطر على الصناعة الدوائية.. وقد أذهل هذا الواقع الغرب فى أمريكا وأوروبا خاصة الذين أدركوا أن سيطرتهم على هذه الصناعة تراجعت خلال الـ30 عامًا الأخيرة.

الحقيقة السابقة.. كانوا يعرفونها جزئيًا، لكنهم فوجئوا بها على أرض الواقع حين انتشر فيروس كورونا والمعروف بـ"كوفيد- 19"، حيث فرضت الصين الإغلاق على مدينة "ووهان"، واكتشف العالم أزمة كبيرة بعد أن عمت الفوضى بين شركات الأدوية حول العالم.

وهنا، وضحت الصورة كاملة.. وتأكدت الحقيقة القوية بأن شركات الأدوية العالمية تعتمد فى الصناعة على المواد الفعالة الصينية وأن الصين أصبحت تسيطر على تصنيع المواد الفعالة للأدوية. وحتى الأدوية المكتوب عليها صنع فى فرنسا أو فى الولايات المتحدة الأمريكية.. فإنها تعتمد على مواد فعالة مصدرها واحد هو الصين.

وتشير العديد من التقارير الدولية إلى أن الإحصائيات أثبتت أن الصين حاليًا تنتج أكثر من 80% من المواد الأساسية المستخدمة فى صناعة المستحضرات الصيدلية الدوائية والتركيبات العلاجية، كما تنتج 97% من المواد الفعالة والمواد الكيميائية لإنتاج المضادات الحيوية التى تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية نسبة كبيرة منها.

لا يقف فى وجه التنين الصينى فى هذا المجال إلا منافس واحد فقط هى الهند التى تعتبر عضوًا رئيسيًا فى هذا المجال عالميًا، ولكن حتى المنافس الهندى يعتمد بنسبة 80% على المواد الفعالة الصينية.. لذلك فإن لسان حال الجميع فى مجال الطب والصيدلة اليوم يقول كل الطرق تؤدى إلى بكين.

 

عام 2019 دقت "المتحدثة والمستشارة الأمريكية لمنظمات الرعاية الصحية" ناقوس الخطر محذرة من مشكلة خطيرة تتعلق بالصحة والأمن القومى معلنة فى كتابها "مخاطر اعتماد أمريكا على الصين فى الطب". الاعتماد الأمريكى على الأدوية الصينية بات مهددًا.. إذ يتعاطى الملايين من الأمريكان عقاقير مصنوعة فى الصين دون أن يعرفوا هم وأطباؤهم أن الأدوية صينية المصدر مثل دواء البنسلين التى تعجز أمريكا اليوم عن تصديره، بل وتستورده من الصين.

ويرجع هذا الاعتماد إلى سبب رئيسى هو الأسعار المخفضة التى تطرح بها الصين منتجاتها مما جعلها مؤهلة إلى تجاوز جميع المنتجين الأمريكيين والأوروبيين.

لا يتعلق الأمر بالبنسلين فقط، بل يشمل المضادات الحيوية.وليس الأمريكيون فقط هم الخائفين.. فقد دقت الأكاديمية الوطنية للصيدلة فى فرنسا أجراس الإنذار.. تحذيرًا من الاعتماد المفرط على الصين ومن بعدها الهند فى الصناعات الدوائية، إذ إن 86% من المستشفيات فى أوروبا واجهت نقصًا حادًا فى الأدوية بمجرد فرض الصين الإغلاق بسبب فيروس كورونا، وأبرز الأدوية التى نقصت بشكل حاد الأدوية المضادة للعدوى والمضادة للسرطان وأدوية الإنعاش التى تستخدم فى حالات الطوارئ بالإضافة إلى أدوية القلب والتخدير.

وبأسف وغضب شديدين تحدث "رئيس مجموعة العمل الفرنسية لإدارة الأزمات" عن أن أوروبا لم تعد تنتج جرامًا واحدًا كاملًا من دواء الباراسيتامول..

ومن فرنسا إلى ألمانيا التى لم يختلف الأمر فيها كثيرًا، حيث شهدت التراجع نفسه منذ 1990. ويرجع الألمان الانتقال إلى آسيا والصين.. تحديدًا إلى أن الأدوية باتت كغيرها من المنتجات تحولت إلى سلعة.. تعتمد على معايير التسويق الأساسية على السعر بالدرجة الأولى. وذلك بغض النظر عن الجودة أو المواصفات، وبحسب "الرئيس السابق لرابطة الصيادلة الألمان" صرح بأنه فى عام 2017 تم إغلاق آخر مصنع لتصنيع المضادات الحيوية فى ألمانيا قبل أن تسيطر الصين على هذه الصناعة. وإذا عدنا إلى سنوات الثمانينيات كانت أوروبا هى رائدة الصناعات الصيدلية، وكانت ألمانيا وحدها تنتج 80% من مكونات أنشطة تلك الصناعة.

 

نقطة ومن أول الصبر..

اليوم تغيرت النسب والأرقام كليًا، وبدأ التحول الكبير فى التسعينيات مع قرار شركات الأدوية الكبيرة.. الانتقال إلى الصين، وبالأخص شركة "فايزر" لأسباب تتعلق بتكاليف العمل والظروف البيئية ليتفاجأ الجميع بعد 30 عامًا بأن التنين الصينى قد طرد الجميع، وسيطر على واحدة من أهم الصناعات فى العالم بسلاسة وهدوء.

ترى، هل سنشهد قريبًا القيادة الصينية للعالم؟

1