جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أختاه.. اتحجبى أو موتى

يخاطب تيار الإسلام السياسي والأصوليون نساء الشرق - المعنيون جدًا بهن لحد الهوس - بكلمة (أختاه) ليصدروا لنا ولهن أن الأنثى أخت لهم!
في حين أنهم يشتهونها ويشتهون أخواتهم وبناتهم والصغيرات بالأخص في زمن الكبت الذي زادت فيه جرائم التحرش وهتك العرض وزنا المحارم ومفاخدة الصغيرات وإرضاع الكبير وكل ذلك القيح والقبح الذي طفح على وادينا الأخصر وترعرع فيه منذ نهاية سبعينات القرن الماضي.
فعندما عاد الخوميني لبلاده مدعيًا الوقوف في وجه الديكتاتورية والظلم وأنه نصير الفقراء ودعا لثورة ضد شاه إيران واندلعت بالفعل الثورة الإيرانية وكانت نواياها الظاهرية طيبة وأنها ثورة إصلاحية شعبية.. سرعان ما تحولت لقبضة حديدية قمعية بنكهة إسلامية وظهر الحرس الثوري ذراع البطش لتلك الثورة وتلك المرحلة وفرض الحجاب على النساء وكن المستهدف الأول لذلك النظام الذي مازال قائمًا للآن ويحكمه الملالي ويعيش الشعب بأكمله تحت حكمه وحكم ولاية الفقيه.
وذات الشيء ظهر في المملكة العربية السعودية على يد المطوعين وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكانت النساء أيضًا هن المستهدفات وتم فرض الحجاب بشكل إجباري على المرأة في إيران والسعودية التي تخلصت مؤخرًا من الفكر الأصولي الرجعي الوهابي إلى غير رجعة واستردت عافيتها وتم القضاء على الحكم الإسلامي الذي يستهدف النساء أولًا وقبل أي شيء.
وظهرت كذلك جماعة (بوكو حرام) التي حرمت تعليم الفتيات والنساء، فالجهل لصيق بالطاعة فمن لا يعرف يتبع ويساق ويسهل تركيعه واخضاعه وهذا ما فعله تيار الإسلام السياسي في كل بقاع الأرض وفي مصر قبل وبعد اغتيال الرئيس الشهيد محمد أنور السادات وتأثر قاتليه بالفكر الجهادي التكفيري.
حتى إن قاتل السادات يوجد شارع في طهران باسمه! وبالطبع ظهرت جماعات مثل (التكفير والهجرة) و(الناجون من النار) و(أنصار السنة) وبالطبع جماعة الإخوان المسلمين التي ترعرت في وادينا الطيب منذ عام ١٩٢٨ وانتشرت كما ينتشر الجراد والسرطان في جسد ما ليمرضه، وظهرت الجماعات السلفية والجهادية وشهدنا إرهابًا في التسعينات ومع بداية الألفية وذات الشيء حدث في الجزائر وتزامن مع كل ذلك وبالطبع الدعوة لارتداء الحجاب والزي الأفغاني والباكستاني للمرأة وللرجل تزامنًا مع حرب أفغانستان ضد السوفييت الشيوعيين الكفار لإسقاط الاتحاد السوفيتي.
فالرجال كانت لهم العمامة والذبيبة والجلباب الأبيض القصير والسلاح الأبيض الذي التصق بأياديهم فشهدنا حملات لحاملي الجنازير وانتشر هؤلاء في الجامعات والنقابات وحرقوا محال الكاسيت وأشرطة الفيديو ومحال الذهب المملوكة للمسيحيين.
وكانت الأوضاع تتأزم وتهدأ حتى ظهر دعاة الألفية الجديدة بشكل وخطاب وزي مختلف أقرب لزي أهل الفرنجة (كما يطلقون عليه) وكان هؤلاء الدعاة ومازالوا بلا زبيبة وبلا ذقون ولا يرتدون الجلباب وبهيئتهم الجديدة تلك تم استهداف واستقطاب الشباب والوصول لشريحة أعرض وأكبر وأكثر تأثيرًا وهي الطبقة المتوسطة المسئولة عن إحداث الحراك المجتمعي وعلى رأسهم الشباب وطلبة الجامعات ووصلوا أيضًا للجامعات الأجنبية والأمريكية في البلاد ودفعت أموال طائلة لتدشين قنوات فضائية تسعى لتديين الشعب ومن ثم تغيير هويته وثقافته وذهنيته وذائقته وبالتالي تغريبه وكانت البداية مع قناة (أقرأ) والدروس الدينية في المساجد الكبرى والشهيرة وكان لمسجد (الحصري) نصيب الأسد من تلك الدروس لنشر الفكر الوهابي ونشر الحجاب بين سيدات مصر وظهرت شخصيات مثل (عمر عبدالكافي) والذي كان مسئولًا بشكل مباشر عن موجة تحجيب الفنانات للقضاء على قوة مصر الناعمة ولنشر الحجاب في مصر على نطاق واسع ثم أسهمت حادثة الزلزال عام ١٩٩٢ واستغلال خطباء المساجد والدعاة الجدد لها لترهيب الفتيات فتحجبت فتيات مصر مع بداية التسعينيات على يد هؤلاء الدعاة وبتأثير تلك الفضائيات وغالبية هؤلاء الفتيات الآن خلعن الحجاب بل وألحدن وخرجن من الملة ومن دين الله خروجًا كبيرًا على هيئة أفواجًا تدعو للالحاد الآن.
فبعد الثورة المصرية بموجتيها في يناير ٢٠١١ عندما خطب القرضاوي وأتى خصيصًا ورأسًا  من الدوحة لميدان التحرير في القاهرة ليعيد لأذهاننا عودة الخوميني من منفاه ونزوله للشارع الإيراني لإحداث انقلاب وثورة إسلامية كان نتاجها دولة دينية يحكمها الملا والفقيه ثم جاءت ثورة الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ لتقضي على مشروع الخلافة والدولة الدينية التي كان يحاك لها في الخفاء بل وفي العلن لتقزيم البلاد وجعل الأمة المصرية مجرد دويلة في مشروع الخلافة التي أقامتها داعش - وهي التنظيم المتحور للقاعدة وجماعة أنصار بيت المقدس - في بلاد العراق والشام بعد تدمير مقدرات تلك الدول وانهاك جيوشها في حروب وتطاحن وطائفية أتت على الأخضر واليابس.
وأحيك لمصر نفس المخطط حتى قامت ثورة التصحيح التي قام بها الشعب المصري في الثلاثين من يونيو لإسقاط حكم المرشد والقضاء على مشروع الخلافة وعادت لنا دولة القانون ودولة المواطنة ولوحظ انحسار لظاهرة الحجاب مع غياب واختفاء فضائيات التحريض وانحسار دور السلفيين والحازمون وجماعاتهم في الشارع واستفحال وتوغل دور داعش في المناطق التي سيطرت عليها وممارستها للذبح في حق البشر والمختلف معهم في العقيدة والدين والفكر تمامًا كما تذبح البهائم بل وحرقوا الناس أحياءً!
كما عادت طالبان للسيطرة على الحكم في كابول وما إلى ذلك من أحداث مرت بنا ومرت بها فتيات مصر منذ التسعينات وحتى الآن فأدركن أن لعبة الإسلام السياسي لعبة خطرة وقذرة ولها أطماع ومآرب أخرى وأنها تستخدم الدين دومًا كستار وتكئة وذريعة للتمدد والسيطرة وأن المرأة تحديدًا يتم ترهيبها وإخضاعها والتعامل معها باستخفاف واحتقار وأنها مجرد لعبة لإمتاع الذكر بعد غسل أدمغة الفتيات وترغيبهن في الجنة بالإذعان والسمع والطاعة والجهاد بالنكاح لإمتاع القتلة المجاهدين تارة أو لخدمتهم وعلاجهم تارة أخرى وفقًا لعمر المرأة وما يطلب أو يراد منها.
فمن تتجاور الخامسة والعشرين تصبح في عرف الدواعش من القواعد من النساء! وبعد انحسار ومحاصرة فكر وجماعات الإسلام السياسي في مصر واختفاء دور السلفيين ووقف تمويلاتهم ومن ثم إضعافهم وفقدانهم قبضتهم وسيطرتهم على الشارع الذي عاد مرة أخرى لسيادة الدولة التي تعمل القانون والتي غلظت عقوبة التحرش والاغتصاب والابتزاز الالكتروني.
ومع وجود رعاية خاصة واهتمام كبير من رأس الدولة ومؤسسة الرئاسة بالنساء بعد ثورة الثلاثين من يونيو ومنحهن فرصا أكبر للصعود والمشاركة والتشديد على فكرة احترامهن وعدم التعرض لهن بأي أذى أو تحقيرهن أو استغلالهن أو استخدامهن أو تسليعهن بل والتفكير وبشكل جدي في تغيير وتعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون حضانة الأطفال ونفقة المطلقة والأم ليصب كل ذلك لصالح المرأة، خاصة بعد إقرار  قانون الخلع ووجوب إخطار الزوجة الأولى قبل الزواج من أخرى وحق المرأة في طلب الطلاق في هذه الحالة والدعوة لمنع الطلاق الشفهي وتجريم الختان ومنع زواج القاصرات وتسرب الفتيات من التعليم والوقوف إلى جانب المرأة المعنفة وضحد فكرة التعدد وتقييدها وإلخ من المكتسبات التي حظيت بها نساء مصر.
لتظهر اليوم وتطل علينا ومن جديد بعد ذبح طالبة المنصورة الشهيدة (نيرة أشرف) دعاوى خفية ومستترة بائسة غير مباشرة وخبيثة تهدف لنكىء كل جراح الماضي لنساء مجتمعنا والرغبة في العودة بنا للوراء والرجوع لزمن الخباء والطاعة العمياء للذكر والزوج حتى فيما لا يجوز كي لا تلعنها الملائكة طوال الليل! وأن تكون المرأة بلا حول أو طول وأن تلزم بيتها وتقر فيه وتكون كالبيض المكنون ولا تكن كالحلوى المكشوفة وبالتالي عدنا  لذات النغمة المعهودة التي نعرفها وحفظناها عن ظهر قلب ولم تعد تنطلي علينا لإحداث فتنة في مجتمعنا.
فتنة لعن الله من يوقظها الآن، فتنة أدت في السابق لحروب طائفية وتطاحن في بلدان أخرى مزقتها العنصرية والطائفية والتمييز والتصنيف وعدم الالتفات لثقافة المواطنة وأن الوطن فوق الجميع وأن الوطن للجميع ومازالت تلك البلاد تعاني من تلك الويلات حتى الآن..  حمى الله مصر وحمى المصريون أمتهم بثورتهم ضد حكم المرشد.
فمصر هي هبة المصريين الذين خرجوا خروجًا كبيرًا وجاءوا من كل فج عميق ونادوا وطالبوا بفصل الدين عن السياسية وأمور الحكم وشئون الدولة والأفراد وأن مرشد الجماعة لا يمثلنا ولا يحكمنا كذلك الشيخ والملا والفقيه في دولة القانون والدستور والمواطنة والتي لن يصلح معها أو فيها الترهيب وثقافة (إما - أو)
فلسان حال دعاة الفتنة يقول لفتيات مصر اليوم (إما الحجاب أو الموت) وكانوا في السابق يقولون لهن (الحجاب قبل الحساب) وكان أيضًا يقال لفقراء البلاد (ينتهي الغلاء عندما تتحجب النساء)! وقال أحدهم الآن لفتيات مصر (كوني قفةً لتسلمي)!
وبالتالي يكون الرد الحازم والحاسم والقاطع على مثل تلك الترهلات في دولة المواطنة وسيادة القانون هو شعار أدعو إليه ويصلح لأن يكون هشتاجًا أدعو كذلك لنشره على جميع مواقع التواصل الإجتماعي يقول 
#مش_حتحجب_ وإنت اللي_حتتأدب
#قف_مكانك والزم_حدك