جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فرضية إتيان السعادة

ترى كيف هو الوصف الدقيق للسعادة؟ أهو انتفاء الحزن أم التمتع بقدر من الغبطة؟ وما هى الحالة الافتراضية للنفس البشرية فى حالة الاتزان النفسى؟ وهنا يبدر السؤال حول فرضية النفس البشرية فى علاقتها بالسعادة على النحو التالى:

١- هل يفترض أننى فى حالة سعادة طالما لا توجد معضلة تكدرنى.. أم أن النفس البشرية فى الأصل فى حالة متعادلة ولكنها بعيدة نسبيًا عن السعادة، ولكن حدوث أمر مبهج هو ما يستدعى السعادة؟

فى الحقيقة، سواء كانت الفرضية الأولى هى المنطقية التى تقبل بالتسليم، أو كانت الفرضية الثانية، ففى كل الأحوال دعنا نتفق على أن السعادة هى حالة من الرضا النفسى، وعلينا التفرقة بين السعادة والفرح، لأن الفرح ليس حالة كما هى السعادة، وإنما شعور بالغبطة.

السعادة نمط حياة ممتد يعيشه الفرد لأسابيع وأشهر، وقد يمتد لسنوات، إلا أن استمرارية السعادة لا تعنى أن يظل الإنسان باسمًا أو ضاحكًا، فقد تتخللها لحظات أو فترات من الحزن جراء مصادفة متاعب أو تلقى أنباء غير سارة، وعلى النقيض فى وصف لحظات الفرح التى دائمًا ما تكون مؤقتة تبدأ لدى تلقى مبررات الفرح وتزول بزوال الأسباب أو تقادم واعتياد الإحساس المحرك للسعادة. 

يرى الباحثون فى بيولوجيا الإنسان أن السعادة مكون عاطفى تحكمه كيمياء معلومة التركيب يطلقها نسيج المخ لدى تلقى دوافع البهجة، وتحديدًا وبشكل علمى هناك ثلاثة عناصر كيميائية تشترك فى صناعة السعادة، ولكل منها تركيب خاص وظروف إنتاج خاصة:

١- مادة «الدوبامين»، وهى هرمون يطلقه المخ لدى التهيؤ لنيل المكاسب، ولذلك يُعرف بهرمون اللذة والنشوة.

٢-مادة «السيروتونين»، وهى أيضًا مادة داخلية يفرزها الجسم لدى الاستجابة للمؤثرات الحسنة، فتمنح الإنسان الشعور بالسعادة.

٣-هرمون «الأوكسيتوسين»، وهو مادة تترجم الانفعالات النفسية لإحساس غامر بالسعادة، وهو بالوقت ذاته يعتبر الهرمون القابض لعضلة الرحم سواء لدفع المولود وقت المخاض أو وقف النزف بعد الولادة.

هل هناك أطعمة تساعد على إتيان السعادة؟

تم التسويق عبر عدة عقود لبعض أنواع الأطعمة كمحفز غذائى للمخ لإنتاج بعض هرمونات السعادة مثل الموز ومادة الكولا وكاكاو الشكولاتة، إلا أن علاقة السببية مع السعادة لم تتأكد بعد، ولكن يمكن القول إن هذه الوجبات والمشروبات محببة للنفس البشرية إلى حد إحداث السعادة.

وفى المقابل، هل للحزن هرمونات أو مواد كيميائية تتسبب به؟

فى الحقيقة، ليس للحزن مرادف كيميائى يدعمه، ولكن هناك مكونًا عصبيًا تفاعليًا يحدثه ويؤتى آثاره وعلاماته، وغالبًا ما يعبر الجسم عن مفردات هذا التحكم العصبى فى الحزن عبر لغة الجسد مثل تعبيرات الوجه والانفعالات الحركية والحسية والحالة المزاجية.

التعايش بين النفس والبدن فى حالات السعادة والحزن:

ثمة نوعان من الأمراض التى تُصيب الإنسان وهى الأمراض العضوية، أى التى تُصيب البدن فى أى الأعضاء، وكذلك الأمراض النفسية التى تُصيب النفس وتتسبب فى الأمراض النفسية وتغيير الحالة المزاجية والتأثير على فسيولوجيا النوم واليقظة. 

تؤثر السعادة- ومثلها الحزن- على أعضاء البدن وتحدث تغيرات ملموسة، ولكن تختلف الأعضاء المستهدفة بهذه الاستجابة، ومن ثم إحداث الأثر من عضو آخر، كما أن هناك فروقًا بائنة بين الجنسين.

فى حالات السعادة تتأثر عضلات الوجه والفكين وعضلات التعبير الانفعالى الموزعة تحت الجلد حول الفم وحول محجر العينين وتحت جلد الرقبة والجبهة، وهى جملة الملامح المسئولة عن توقيع بصمة الشيخوخة على الوجه مع تقدم العمر، أما على الصعيد الداخلى للجسم، فالحزن يتعامل مع كل أعضاء الجسم ولكن بدرجات متفاوتة، وقد يعطل بعض الوظائف مثل وظيفة الهضم، وقد يهيج بعض الوظائف الأخرى مثل حركة الأمعاء الدقيقة أو الغليظة وأكثرها شيوعًا هو القولون العصبى، أو يحفز بعض الوظائف الأخرى مثل إفراز هرمون الأدرينالين من الغدة فوق الكلوية وهو الهرمون المسئول عن إرباك وظيفة القلب والعضلات واضطرابات النوم وارتفاع ضغط الدم وتسارع نبضات القلب، وكذلك التأثير على الغدة الدرقية وتحفيزها على إفراز هرمون الدرق، وهو عنصر فعال فى تحديد نمط النمو البدنى.

ولكن تأتى الخسارة الأكثر بشاعة دائمًا فى استهداف الجهاز الهرمونى فى البنات والسيدات، وما يتبع ذلك من تعطل فى فسيولوجيا الإنجاب بدءًا من انتظام الدورة الشهرية ومرورًا بتوقف التبويض أو تكيس المبيض والتسبب تباعًا فى خلل وظيفى قد يحول دون حدوث الحمل للسيدات فى الفترة الإنجابية.

ظهرت فى الآونة الأخيرة دراسات عديدة وضّحت العلاقة بين الحزن وسلامة الجهاز المناعى، وما يتبع ذلك من وقوع الجسم فريسة للسرطان باختلاف أنواعه. كان الظن السائد أن جهاز المناعة فى الجسم يعنى بالدفاع عنه ضد غزو الجراثيم ومسببات الأمراض، ولكن تبين أن هناك دورًا أعظم وهو مهاجمة الخلايا السرطانية التى غالبًا ما تتوالد فى الجسم ويتعامل معها الجهاز المناعى فى صمت دون أن نلمح ذلك، وفى النهاية يمكن الجزم بأن سلامة المكون النفسى هى بالأساس حصاد تمتع الإنسان بساعات أطول من السعادة فى منافسة مع ساعات الحزن.

ما العمل؟.. تخلص من كل ما يُشعرك بالكدر، وبعيدًا عن قدراتنا يجب التحايل على المعاناة بالبحث عن بدائل فورية لأى مشكلة يطول أمدها أو يصعب حلها، فالجسم لا يقبل المساومة ولا التفاهم لدى تفاقم المشكلات إلا فى حدود قليلة جدًا.. اصنع سلامتك بنفسك.