جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ثلاثون امرأة ينطلقن فى دنيا الفن التشكيلى

كنت شاهدة على حدوث قفزة جديدة للمرأة المصرية فى دنيا الفن التشكيلى المصرى منذ أيام قليلة، وتحديدًا مساء السبت الماضى، تجعلنى أقول إن المرأة المصرية تتقدم بخطى ثابتة إلى الأمام، وتقتحم المجالات، الواحد تلو الآخر.

فلقد دُعيت لافتتاح معرض للفن التشكيلى لمجموعة من الفنانات المصريات بقاعة كليج الشاسعة بمدينة الشيخ زايد، ولبّيت الدعوة بكل ترحاب لسببين، أولهما: إننى دائمًا ما أدعو المرأة والفتاة المصرية لأن تحققا ذاتهما، وأن تعملا وتنتجا وتشاركا فى حركة التقدم ببلدنا، وثانيهما: لأننى أعتقد أن المرأة المصرية هى صمام الأمان فى الحفاظ على الهوية المصرية مع المشاركة فى حركة التقدم إلى الأمام، وهى التى ستربى أبناءها وبناتها على الحفاظ على الهوية المصرية، وغرس قيم الانتماء والولاء فى بلدنا.

وعندما وصلت إلى القاعة لافتتاح المعرض وجدت زحامًا كبيرًا من مدخل القاعة، مما جعلنى أشعر بأن هذا الإقبال يعنى وجود وعى يتنامى بأهمية الفن التشكيلى كأحد عناصر القوة الناعمة لمصر، ووجدت أكثر من ١٤٢ لوحة فنية لـ٣١ فنانة مصرية، مما يعنى أن لدينا ٣٠ فنانة جديدة دفعة واحدة ينطلقن إلى سماء الفن التشكيلى فى بلدنا، والملحوظة الأولى لى أنهن كُن من مختلف الأعمار أمهات وجدات وشابات فى مقتبل العمر، مما يعنى أن الفن لا يتقيد بعمر وأن التعبير عنه لا يتقيد بعمر، وعلمت أن كلاً منهن قد التحقن بدروس مع أحد كبار الفنانين التشكيليين لاكتساب الأسس وصقل الموهبة والخبرة اللازمين للمشاركة فى المعارض الفنية، وللانضمام إلى تيار الفن التشكيلى المعاصر فى مصر.

والملحوظة الثانية: إننى سعدت لأن كل امرأة تحاول أن تعبر عن ذاتها، وأن تحقق ذاتها، وأن تنطلق فى مهنة تحبها أو أن تصقل موهبتها وأن تجد فى نفسها الشجاعة لأن تعكس جانبًا من الحياة فى بلدنا، فإن ذلك معناه أن المرأة المصرية تؤدى دورها فى الحفاظ على الهوية المصرية، وتتقدم نحو المشاركة فى إثراء حركة الفنون فى بلدنا وبالتالى تشارك فى تنامى القوة الناعمة المصرية واستمرار نهر الفنون والثقافة فى بلدنا.

وبعودة إلى بدايات الفن التشكيلى فلا بد أن نقول إنه كانت لمصر الريادة فيه قبل كل الأمم، فلقد بدأ خلال الحضارة الفرعونية فى مصر القديمة، حيث نجد اللوحات المصورة والمحفورة منذ أقدم العصور الفرعونية، ونجد الرسومات الملونة على جدران المقابر والمعابد، ونجد تماثيل الملوك والخاصة تعكس لنا مفاهيم فنية هدفها فى المقام الأول خدمة طقوس الآلهة والملوك والموتى، كما ارتبطت الفنون المصرية القديمة مثل الرسوم والنقش والنحت ارتباطًا وثيقًا بالهندسة المعمارية.

أما النهضة الفنية الحديثة فى مصر فارتبطت بالحركة الوطنية والتعبير عن الشعور الوطنى والنهوض بالفنون المصرية، وعنصر من عناصر الحركة الوطنية من أجل الاستقلال والتقدم، ثم لا بد أن أقول إنه فى القرن الـ٢٠ القرن الماضى، كانت لدينا قامات كبيرة من الفنانات والفنانين التشكيليين الذين عبروا عن الهوية المصرية من خلاله، فكان لدينا من الفنانين محمود سعيد ومحمود مختار وراغب عياد ومحمد ناجى وصلاح طاهر ومحمد صبرى، وكان لدينا من الفنانات اللاتى نعتز بهن إنجى أفلاطون وتحية حليم وجاذبية سرى، وهن يشكلن ريادة المرأة فى هذا المجال، وفتحن الباب للمرأة لدخول هذا المجال.

وهكذا كان لرواد الفن التشكيلى، نساءً أو رجالًا، دور يوازى دور رواد التنوير الفكرى فى مصر، لأنه كان بمثابة مشاركة فى حركة الكفاح الوطنى من أجل الاستقلال والحرية وتأكيد الهوية الوطنية، ثم توالت ظهور جماعات فنية منذ ١٩٢٨، حيث أسس محمود مختار «جماعة الخيال»، ثم توالت الجماعات التى دعمت استمرار هذا الفن المهم حتى ١٩٥٣، حيث تأسس أكثر المجموعات استمرارية وصمودًا وهى جماعة «أتيليه القاهرة»، التى أسسها الفنان محمد ناجى وراغب عياد، ثم ١٩٨١ «جماعة المحور».

وأسهمت هذه الجماعات الفنية فى عرض الفن التشكيلى ونشره على نطاق واسع، كما دعم الفنان فاروق حسنى حركة الفن التشكيلى حينما تولى وزارة الثقافة فى مصر اتساقًا مع كونه فنانًا تشكيليًا معروفًا عالميًا، وبعد خروجه من الوزارة أنشأ مؤسسة تقيم جائزة سنوية للفنانين والفنانات الشباب لتشجيع حركة الفن التشكيلى لدى الشباب.

أما معرض الفنانات الـ٣٠ فهو أيضًا لمجموعة فنية هى مجموعة فنانى وفنانات المرسم للتصوير الزيتى والباستيل والفحم واتخذ عنوان «أصدقاء المرسم العاشر»، وتميز المعرض كما لاحظت حينما تجولت بين جنباته بتنوع كبير فى اللوحات من حيث الأسلوب، ومن حيث الموضوعات تم تناولها وأيضًا من حيث التقنيات المستخدمة لتتناسب مع أذواق كثيرة، فكل فنانة تتسم بطابع خاص بها وأسلوب مميز فى الرسم، إلا أنهن كلهن يملن للأسلوب الحديث والتجريدى وليس التقليدى، وأن معظم ألوان لوحاتهن فيها بهجة، ولا يتقيد أى منهن بمدرسة أو بأسلوب سابق لهن. 

إن هذا المعرض لـ٣٠ فنانة مصرية جديدة وفنان واحد فى المعرض يأتى اتساقًا مع تنامى تيار وجود المرأة على الساحة المصرية، وفى كثير من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية فى السنوات الأخيرة وتخصيص عام للمرأة المصرية، مما شجع المرأة على اقتحام كل المجالات، وفى هذا المعرض المتميز الذى نظمته دينا فهمى والذى تميز بزخم فنى كبير كان من الفنانات المشاركات اللاتى سعدت بالحديث معهن وبلقائهن حوريه فهيم وليلى شكرى ومنى أنور ومنال العاصى وياسمين راضى وأمنية طنطاوى وفريدة القونى وأمينة عبدالمقصود وغيرهن.

وفى كلمتى المختصرة عبرت عن ترحيبى بانضمام ٣٠ فنانة جديدة إلى دنيا الفن التشكيلى، وأن هذا المعرض فى تقديرى هو جواز مرور لهن للانطلاق إلى طريق النجاح، والتأكيد على الهوية المصرية، من خلال أعمالهن، فهن بهذا صوت جديد انضم إلى القوه الناعمة المصرية التى تميز مصر، والتى شكلت ريادتها فى دنيا الفنون والثقافة والعلوم حيث سبقت مصر العالم فيها.

وأن الفن هو رسالة مهمة فى الحياة تتطلب الموهبة والتطور والمثابرة والاستمرار فيها دعمًا لحركة التنوير والتقدم وبناء مصر الحديثة، وهكذا يتواصل نهر العطاء فى مجال الفنون المصرية، ومرحبًا بـ٣٠ فنانة تشكيلية مصرية جديدة ينطلقن فى دنيا الفن التشكيلى المصرى المعاصر ويشكلن إضافة مشرقة ومبشرة بالخير له.