جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

لديها فائض من القمح ولكن!!

القمح هو في الواقع سفير اقتصادي ويجب أن يكون هناك "اوبك القمح" على غرار منظمة " أوبك النفط" حيث يشكل القمح اساس تغذية ثلاثة مليارات شخص في العالم، رغم أن أكبر مستهلكيه عاجزون في أكثر الاحيان عن انتاجه. 
تعتبر الدولة المصرية أكبر مستورد للقمح في العالم كله وقد استوردت في الموسم 2020-2021 نحو 12.9 مليون طن سواء للقطاع العام أو القطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار، وذلك وفقا لبيانات صادرة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء،  المواطن المصري يستهلك 186 كيلو جرام  طوال العام، وهذا يشكل ثلاث اضعاف استهلاك المواطن في سائر مناطق العالم، ويبلغ انتاج مصر من القمح  8 إلى 9 مليون طن سنويًا، فيما يبلغ حجم الاستهلاك المحلي أكثر 18 مليون طن.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يستهلك المواطن المصري ثلاث أضعاف ما يستهلكه المواطن من القمح في العالم تقريبا؟، فطبقًا لاستهلاك المواطن في معظم دول العالم الذي يقدر ب 60 كيلو جرام  في العام، فأن مصر من المفترض ان لا يتجاوز استهلاكها 6 مليون طن في العام الواحد.
القمح في مصر ليس للاستهلاك الادمي فقط، ولذلك يذهب ثلث الاستهلاك للمواطن والثلثي الاخرين الي المواشي والطيور، وان تجاوزنا ذلك التقدير النظري واعتبرنا ان الرغيف هو المكون الغذائي الأساسي والأهم للمواطن المصري وعليه سيكون ذلك الاستهلاك اعلي جزئيا للمواطن في العالم ليذهب الي 90 كلغ سنويًا، فالنصف الاخر المقدر ب 9 مليون طن يذهب الي غذاء المواشي والطيور وهذا له عدة أسباب. 
1 – سعر الرغيف الذي يعتبر مجاني " خمس قروش" امام ارتفاع أسعار الاعلاف، عندها يكون الرغيف هو البديل المتاح لتحويله الي مكونات اعلاف، عن طريق تخزينه و"طحنه" ، وادخاله الي مكونات الاعلاف. 
2-سوء جودة الرغيف في الكثير من مناطق الجمهورية وخاصة القري والنجوع، جعلت معظم مكوناته غير قابلة للاستهلاك الادمي  " تكتل عجين "  وهذا سبب أيضا يساهم في تحويله الي مكون اعلاف. 
3 – القمح يساهم بقوة في سرعة زيادة وزن المواشي، ولذلك يتم تخزينه في المنازل او شراءه دقيق لدي من هم يقومون بالتجارة في علف المواشي لطحنه وخلطه مع " ،مكونات علف المواشي:" لزيادة فاعلية العلف الذي يساهم في زيادة وزن الماشية بسرعة.
4 -أيضا يتم تخزينه واستخدامه كعلف للطيور عن طريق " الدش" او حب.
والحل يتمحور في عدة طرق 
1 – ترك سعر الرغيف كسلعه حرة غير مدعمة والذي يقدر ب 65 قرش، وعندها لن يكون بديل مجاني كعلف حيوان او طيور. 
2 – جودة الرغيف التي تتمثل في جودة نوع الدقيق وجودة التكوين والصنعة، وهذا ضروري للغاية حتى يتماشى ذلك مع سعر تحرره، ويكون غير قابل لاستخدامه كعلف حيواني بسبب سوء تصنعه.
3-إقامة مصانع اعلاف مواشي وطيور، ذات تكوين وجودة عالية البروتين حتى تعوض ما يقوم به استخدام القمح في مكون العلف ويكون بسعر مقبول ومناسب.

وأخيرا لا ننسي تداعيات تطبيق قانون العلاقة الإيجارية الجديد بين ملاك الارضي والفلاخين  الذي حدث في 1997 علي يد مجلس الشعب حينذاك، والذي ساهم بقوة في تغيير تركيبة ديمغرافية الطبقة السكانية والمهنية، التي كانت تساهم في الامن الغذائي المصري حيث تم طرد مليون اسرة " فلاح من الأراضي الزراعية" هؤلاء كانوا يمثلون 10% من سكان مصر، وكانوا يمثلون ما يقرب من 60% من مكون الامن الغذائي المصري  فتلك الاسر كان بداخل منازلها المواشي والطيور والفرن الفلاحي، وهنا كل مكونات الالبان من زبدة واجبان وحليب ولحوم وخبز " فقبل تلك الحقبة كان الاعتماد علي رغيف الخبز ضعيف ، فمثلا كموروث فلكوري، كان الفلاحين لديهم خزين سنوي من جميع مكونات الامن الغذائي  ومن العار ان يشتري الفلاح رغيف الخبز فهذا يدل علي فقره المنزلي امام الاخرين من ذلك الامن الغذائي الذي كان من ضمن مكوناته البتاو" عيش الذرة الواسع " وعيش القمح .
واخير ما اود طرحه ان استهلاك مصر من القمح حوالي 18 مليون طن وانتاجها من الذرة تقريبا نفس الرقم وان الاستهلاك الفعلي للمواطن لا يتجاوز نصف تلك الأرقام، والان ضرورة ملحة لتخليص النصف الاخر المستهلك خارج إطار استهلاك الانسان الغذائي الذي يتجاوز سعره 4 مليار دولار، فذلك المبلغ سنويا قادر علي المساهمة في التنمية لمجالات عدة، وكل ما اتمناه ان يتناول الحوار الوطني مثل تلك المشاكل المتشابكة والتي تعيق التنمية الشاملة  في مصر.
وبذلك التحليل تكون مصر لديها فائض ٥٠٪ من إنتاجها للقمح الذي سيتحاوز هذا العام حسب التقديرات ١٠ مليون طن ولا ننسى استهلاك مصر من الذرة الشامية