جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

وثيقة سياسة ملكية الدولة.. خارطة طريق استثمارية

يمثل القطاع الخاص لاعبًا أساسيًا فى التنمية المستدامة- وفى نفس الوقت يجب عليه تحمل مسئوليته الاجتماعية- فالنمو المستدام المولد للدخل وفرص العمل الذى يحققه القطاع الخاص يتوقف على مدى القدرة على مساندة القطاع الخاص، وفتح السوق أمامه للاستثمار، سواء كان استثمارًا محليًا أو أجنبيًا.

فالربح هو المحرك الديناميكى للمستثمرين، وتعاظم هذا الربح هو الذى يحقق النمو المتسارع على عكس القطاع الحكومى، هذا لا يعنى عدم مشاركة القطاع الحكومى فى عمليات التنمية ولكن أن تكون نسبة المساهمة الأكبر للقطاع الخاص، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين القطاع الحكومى والقطاع الخاص تكاملية وليست تنافسية.

فعلى سبيل المثال، عندما يتم توجيه جزء من الإنفاق العام لتحديث البنية التحتية، التى تحتاج إليها الدولة لتخلق للمستثمر بيئة مواتية حتى لا يعزف عن الاستثمار، فالمستثمر فى حال إذا كان عليه تحمل تكاليف إنشاء طرق أو توليد كهرباء.. وما إلى ذلك، بالطبع سيهرب برأس ماله إلى دول أكثر جاهزية، ولكن فى هذا الصدد لا يتوقف جذب الاستثمارات على البنية التحتية فقط، بل تتضافر مع ذلك مجموعة من آليات الجذب المختلفة كالتشريعات والحوافز.. إلخ.

منذ ما يقرب من أسبوعين، تم الإعلان عن «وثيقة سياسة ملكية الدولة». هذه الوثيقة تعد خطوة أولى ومهمة جدًا، لتحديد الحد الفاصل بين الحكومة والقطاع الخاص فى المساهمة التنموية للقطاعات المختلفة.. المسودة الأولى للوثيقة تعمل على وضع تصور بانورامى لوجود الدولة خلال الـ٣ سنوات المقبلة فى خريطة الأنشطة الاقتصادية، بما يعزز من تمكين القطاع الخاص، وتم وضع آليات التخارج على مراحل وبصورة تدريجية، بناءً على مجموعة من المعايير التى تلائم حركة السوق حتى لا تتأثر سلبًا، فعملية التخارج ليست بالسهولة بمكان بين ليلة وضحاها، حيث يوجد بعض القطاعات التى ستخرج من معظمها الدولة كالقطاع الزراعى، ولكن كان القمح من الحبوب التى ستظل الدولة هى المنوطة به، ودلالة ذلك أن السلع ذات البُعد الاستراتيجى والتى تتعلق بالحماية الاجتماعية ستظل الدولة موجودة فيها، وقد يفسر ذلك من ناحية أخرى بند «تصنيف السلعة أو الخدمة وما إذا كانت ذات علاقة بالأمن القومى (بما فى ذلك السلع المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمواطن)». كما ستتخارج الدولة أيضًا من تجارة التجزئة وعدد من الأنشطة فى قطاعى النقل والمعلومات والاتصالات والبناء والتشييد، ولكن مع استمرار الدولة فى الإسكان الاجتماعى.

يوجد أيضًا بعض الأنشطة التى ستظل الدولة بها، ولكن قد تشهد بعضها الزيادة أو الانخفاض أو الثبات، وفى الحالات الثلاث سيسمح لمشاركة القطاع الخاص، وأريد التوقف عند أحد البنود وهو «مستوى ربحية الأصول المملوكة للدولة» هذا البند يحتاج إلى المزيد من التوضيح حتى لا يلتبس الأمر عند المستثمر من الناحية الذى قد يتصور أن الدولة ستنافسه فى السوق، وعند المواطن الذى يتصور أن الدولة تبيع الأصول، وهنا لا بد من الوقوف على أهمية ما قدمته الوثيقة من توضيح عن دور الصندوق السيادى لتحسين الأصول المملوكة للدولة، بما يتناسب مع أهداف الصندوق لجذب الاستثمارات للاقتصاد المصرى. 

كل ذلك يعنى أن الدولة تعمل عبر هذه الوثيقة على زيادة مساهمة القطاع الخاص فى حجم المشروعات والاستثمارات التى تبلغ نحو ٣٠٪ فقط إلى أكثر من ٥٠٪ وفقًا لعدد من الأسس، ولكن كما تم الذكر سابقًا مع عدم التدخل فى بعض القطاعات كالتعليم والصحة. عندما يذهب المستثمر إلى التوسع فى أحد القطاعات التى ستتخارج منها الدولة على عدد معين من السنوات، فى هذه الحالة ستبدأ الدولة بالخروج التدريجى مع دفع المستثمر الأموال مقابل هذا التخارج، وستذهب هذه الأموال إلى قطاعات أخرى قد تكون خدمية أو إنتاجية، وبمعنى آخر زيادة إيرادات الموازنة العامة، وتخفيف حدة الضرائب، وتحسين قدرة الجنيه، وهناك جانب لا يقل أهمية عما سبق وهو نقل التكنولوجيا الجديدة المصاحبة للمستثمر الأجنبى الذى سيمتص قدرًا من العمالة، ما يقلل من معدلات الفقر. 

بالطبع لا تزال الوثيقة تحتاج إلى محددات أكثر وضوحًا، وآليات تبعث رسائل أكثر طمأنينة بأن الدولة ستقوم بدور المراقب والمنظم فقط، وأن المستثمرين لا يخضعون إلى البيروقراطية والعراقيل، وأن تحتوى على بنود ذات تنافسية أعلى فى ظل دول إقليمية أخرى تعمل على جذب الاستثمارات إليها وسبقتنا فى هذا الصدد، ومن ثمّ أُثنى على إخضاع الوثقية للحوار المجتمعى، لأنه سيفتح بابًا ثريًا للنقاش عبر الآراء المختلفة، ويعزز من دورها المنوط به، وأتصور أنه من الأفضل فى إطار هذه الوثيقة أن تتواجد مؤسسة أو وحدة تباشر عمل الوثيقة على أرض الواقع، وتنشر تقارير دورية عن مدى تحقيقها أهداف التنمية.