جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

كيف تصنع أحلامًا ساحرة؟

أنت تخطو الآن نحو عالم ساحر..
هذا ما يعبّر عنه تتر مسلسل أحلام سعيدة الذي يقدم أسماء صنّاعه فوق أشهر معالم حي الزمالك البديع، كدعوة جذابة لاستضافتنا في رحابه 30 دقيقة مقبلة هي مدة كل حلقة جديدة، اللافت هو الخروج عن الدور التقليدي للتتر المقتصر على حشد أسماء نجوم وصنّاع العمل على خلفية من لقطاته.

نحن هنا في حضرة سيمفونية عشق للحي الأرقى، مقطوعة احتفاء بأشجار ومبانٍ تختزل عبق التاريخ والإبداع. ربما مررنا كثيرا بين نفس الشجر.. أمام تلك المباني.. لكننا الآن أعدنا اكتشاف جماليتها، والأهم.. توضأنا بهذا الجمال المنغمس في موسيقى فاهير اتاكوجلو استعدادًا لدخول منازل بعض من أهل الحي أو بمعنى أصح أهل المسلسل.

البطلة الأول لدينا كما يقول التتر الأنيق.. هي هالة خليل، لكنها هنا وللمرة الأولى مؤلفة فقط.. بالنسبة لي لم تكن معلومة.. بل بشارة، مفتاح لتفاؤل حقيقي ومستحق.. سببه إخراجها أعمال شديدة الجودة ومشاركتها في كتابة معظمها.. قص ولزق.. نوارة.

والفيلم المصري الأرقّ منذ عام 2004 حتى الآن.. أحلى الأوقات، صحيح أن تلك الأعمال قدمتها كمخرجة فقط، لكنها شاركت وبقوة في تأليفها، بل ونقل تجاربها الشخصية في أحدها، هو فيلم قص ولزق، والأهم أن القاعدة البديهية تقول: خلف كل نص جيد مخرج ممتاز.. اختاره وقرر إخراجه ثم عمل مع مؤلفه على نضج تفاصيله.

قاعدة بديهية أخرى تقول إن هناك حدًا فاصلًا بين الكوميديا والتهريج، الظرف والاستظراف، نحن جميعا " نهرّج" في جلساتنا الخاصة على المقاهي أو داخل البيوت، لكن الدراما تعني الكوميديا وهو ما يضعها دائما في مكانة أرقى وأكثر تأثيرًا، في أحلام سعيدة من اللقطات الافتتاحية للحلم الأول أو الحلقة الأولى تبدو هالة خليل الكاتبة على وعي تام بأنها تصنع كوميديا وليست تهريجًا، تكتب حوارًا شديد الرقي والرشاقة، تخلق شخصيات أسست لها بقوة وعملت على نسجها من لحم ودم قبل أن تضعها في مفارقات ذكية جعلتنا نضحك معها لا عليها.

البداية مع فريدة أو ديدي هانم، هذه السيدة التي تعيش وحيدة بين ذكرياتها وعالمها الأرستقراطي الخاص.. أكلاتها وموسيقاها المفضلة، ملابسها.. مفرداتها.. ردود أفعالها مع الجيران.. الخادمة.. سائق التاكسي.. غريمتها في المزاد.. من يحتل طاولتها في النادي.. مواقف أشبه بقطع البازل المرسومة بعناية، مع كل موقف يكتمل عالم فريدة هانم دون أن تتحول لشخصية كاريكاتورية مسطحة، بل إنسانة تخلق كوابيسها خلف السياج الذي صنعته حول نفسها في مواجهة الواقع والناس.

ذلك السياج الذي ازداد صلابة بفقدانها البصر، اللافت هنا هو جودة كتابة باقي شخصيات المسلسل وامتلاك كل منها تاريخا نفسيا تطلعنا عليه المؤلفة بشكل غير مفتعل من خلال سرد سلس جسدته بذكاء مثل جلسات العلاج النفسي الجماعي "Group Therapy" الذي تعرفنا من خلاله على عقد ونقاط ضعف الشخصيات الرئيسية: فريدة.. شيرين.. ليلى.. قبل أن تنضم الخادمة صدفة إلى الشلة لتبدأ تفاعلاتهن اللطيفة، دون أن يحيد بنا النص نحو الثرثرة المستهدف بها مط مشاهد أغلب المسلسلات لزيادة حلقاتها، إذ تطل علينا طوال الوقت معاناتهن المشتركة مع الأرق والكوابيس بسبب عدم قدرتهن على التأقلم مع واقعهن الخاص، سواء شيرين التي تحاول أن تتزوج لترضي المجتمع أو ليلى وتقبلها لخيانة زوجها مقابل رغبتها في الإنجاب.

تميز كبير آخر يُنسب للمخرج عمرو عرفة، وهو اختيار وتوجيه الممثلين، ليس فقط يسرا التي تدل موافقتها على بطولة مسلسل مختلف تماما عن اختياراتها في السنوات الأخيرة على ذكاء شديد ورغبة واعية في تنوع ما تقدمه، خاصة مع اجتهادها الواضح في تجسيد شخصية ديدي سواء من حيث الشكل أو الأداء، إلا أن الإشادة واجبة بغالبية ممثلي هذا المسلسل، سواء ممن أدوا الأدوار الرئيسية مثل غادة عادل ومي كساب وشيماء سيف وانتصار وهشام إسماعيل ونبيل نور الدين وعماد رشاد، أو أصحاب الأدوار الفرعية وضيوف الشرف، الواعد نور محمود، داليا شوقي، جيهان الشماشيرجي، ملك بدوي، زياد سرحان، محمد شاهين، تامر هجرس، وحمدي الميرغني الذي قدم دويتو ظريف مع الخادمة صدفة أو شيماء سيف، الكل في دوره الصحيح تماما، يجمعهم عامل واحد هو الإتقان وانعدام الافتعال أو المبالغة المفسدة لأغلب الأعمال التي تنتمي لنفس النوعية.

 يُحسب لعرفة أيضا جودة العناصر الفنية كافة، بداية من اختيار الموسيقى ومواقع التصوير، وصولاً لضبط إيقاع المسلسل وروحه حتى خرج لنا في النهاية بهذا الكم من الرقي والطزاجة.