جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المؤلفون فى الأرض «2» عبدالرحيم كمال.. الألفة

من حكمة ربنا أنه يهب لنا كل فترة «مددًا» يجدد الدم وينقى مهنة الكتابة ويدفع بها للأمام، شاهدنا فى دراما رمضان هذا العام أعمالًا كثيرة.. بعضها «يمشى حاله»، لكن بعضها الآخر يجب أن تتوقف عنده وتنتبه إلى المؤلف العظيم الذى كتب هذا النص.. الحديث عن وجود مؤلفين فى الموسم الدرامى هو حديث ممتع لأنه يؤكد أننا نسير على الطريق الصحيح.

منذ أن شاهدت مسلسل «الرحايا- حجر القلوب» عام ٢٠٠٩ وأنا من مريدى عبدالرحيم كمال، أشعر أننى أتحرك فى عالمه بنفس الإحساس الذى كان يأسرنى وأنا أستمع إلى الشيخ ياسين التهامى.. فى الحقيقة وجود عبدالرحيم كمال الآن فى الدراما المصرية أشبه بوجود الأستاذ أسامة أنور عكاشة، أهمية الكاتبين الكبيرين أنهما كانا رمانة ميزان، حتى وإن غاب أحدهما موسمًا دراميًا، يكفى وجودهما فى الساحة لتتأكد أن الأمور بخير مهما بدت صعبة. 

عبدالرحيم كمال، الذى تخرج فى المعهد العالى للسينما قسم السيناريو عام ٢٠٠٠، يكتب أعمالًا هى أشبه بقصائد العشق الإلهى، تشعر بأنك أمام زاهد فى الحياة يلقى بكلماته قبل أن ينصرف من أمامك فجأة، فلا تعرف كيف ظهر أمامك ولا كيف اختفى.. فقط يبقى النص/ الأثر الذى كلما اقتربت منه عرفت.

فى هذا العام يقدم لنا عبدالرحيم كمال واحدة من أهم أعماله، وأفضل أعمال دراما رمضان بشكل عام، «جزيرة غمام»، الاسم يبدو غريبًا لكنه يعود إلى قرية بالبحر الأحمر اسمها غيم وجمعها غمام.. المسلسل يعود لنحو ١٠٠ عام مضت ليتحدث عن فكرة الوافدين وكيف أثروا على الهدوء والأمان الذى كان يعم القرية وتحول إلى فوضى.

عبدالرحيم كمال يقدم تفاصيل نفوس بشرية مليئة بالطمع، ونفوس بشرية تحمل نورًا يفيض من قلوبها.. شخصية الشيخ عرفات، التى قدمها النجم أحمد أمين بكل اقتدار، هى المعادل الطبيعى لكتابات وأفكار عبدالرحيم كمال، لتجد الشيخ عرفات يتحدث: «كل واحد شايل قبر حبايبه وماشى بيه»، جملة لا تخرج إلا من مبدع موهوب. 

صحيح أن وجود مواهب بحجم طارق لطفى وفتحى عبدالوهاب ومى عزالدين وأحمد أمين ورياض الخولى وغيرهم مهم جدًا فى نجاح المسلسل، بالإضافة إلى وجود مخرج موهوب مثل حسين المنباوى، لكن وجود نص محكم لعبدالرحيم كمال كان هو الأساس الذى انطلق به المسلسل، الذى يشبه «حتة مزيكا» من إبداع بليغ حمدى.. هو شخص قادر على صناعة الدهشة والسخرية، وبين الاثنتين لا بد أن يتوقف عقلك مشدوهًا للقصة التى قد تكون تتحدث فى بعض تفاصيلها عن حالك أنت التى مهما وجدت أمامك نموذجًا محبطًا مثل الأستاذ سمير لا بد أن تقف بينك وبين نفسك لتقول أنا أحلى حاجة فى الدنيا.. أنا أهم حاجة فى الدنيا.. أنا أغنى واحد فى الدنيا.ش