جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«لماذا تركتهم؟».. مذكرات شاب إخواني منشق: «تجربة مريرة نزعت العقل والتفكير» (1)

جريدة الدستور

ينشر «أمان» على مدار سلسلة من الحلقات اعترافات لشباب منشق عن تنظيم الإخوان الإرهابي، يكشفون فيها كيف انضموا للجماعة وسبب تركهم لها، بالإضافة إلى العديد من الأسرار التي تمكن الشباب من مواجهة فكرهم المتطرف وتحصين أنفسهم من الوقوع فريسة للإرهاب.

وفي الحلقة الأولى يسرد الشاب الثلاثيني ابن محافظة الشرقية عبدالمعطي أحمد رجب، المنشق حديثا عن الإخوان، تجربته التي وصفها بأنها مريرة، نزعت منه نعمة العقل والتفكير، وألبسته نقمة الطاعة والانقياد والتسليم.. وإلى نص اعترافه كما أرسله لـ«أمان»:

على ضفاف العمر أقف وحيدا شارد الذهن متمعن التفكير، الجميع ينظرون أمامهم إلى شاطئ مستقبلهم وأنا أنظر خلفي إلى ضفة الماضي السحيق.. رغم أنه ماض قريب في عدد السنين إلا أنه كان عميقا في الأثر والتأثير.

ماض جعل مني إنسانا آخر على غير الإنسان الطبيعي مواطنا لكنه ليس كباقي المواطنين، أقف وأنظر وأتساءل: ماذا كنت؟ وماذا عساي أن أكون ؟ ثم أكرر النظر وأعيد التساؤل: لماذا وكيف كانت تلك التجربة التي مررت بها؟ وماذا كانت ستكون مآلاتها وتوابعها؟

وليست التساؤلات من باب الفراغ ولا من منطق الرفاهية، لكنها تساؤلات لتجربة شكّلت عقلي ووجداني، شكّلت حياتي وتفكيري، رسخت بداخلي أصولا وثوابت اتضح بعد النظر أنها كانت مجرد سراب وأوهام، جعلت مني إنسانا تابعا في قراراتي أسيرا في مواقفي، فقد كانت تجربة مريرة نزعت مني نعمة العقل والتفكير، وكستني نقمة الطاعة والانقياد والتسليم. 

أقف متسائلًا بحسرة: كيف سمحت لنفسي بأن أسلم عقلي لأناس عديمي العقل والمنطق؟، أتذكر شخوصهم وطريقتهم في الحياة، فتزداد الحسرة والمرارة بداخلي.

كاتب هذه السطور هو شاب ثلاثيني العمر، شرقاوي المولد، شاءت له الأقدار أن يفتح عينه فيجد نفسه محاطا بمجموعة من الإخوان استغلوا صغر سنه وحرصه على الصلاة في المسجد كأي إنسان مصري نشأ في بيت محافظ، وقاموا بالالتفاف عليه كما التفوا على مئات الأطفال.. بدأ الرحلة مع الجماعة طفلا في مرحلة الإعداية، ومكث بينهم ما يقرب من سبعة عشر عاما، تدرج معهم من مرحلة الأشبال ثم التعليم الثانوي فالمرحلة الجامعية وما بعد الجامعية، أي أنه تمت قولبته وتشكيله منذ نعومة أظافره.. شاءت له الظروف أن يراجع مواقفه وبعث له القدر رسائله الجميلة التي كشفت الغشاوة عن عينيه ودبت فيه وعيا جديدا كان موجودا ولكنه مخفي لا يراه بحكم النشأة والتكوين، فأبصر أمورا جليلة وتكشفت لديه حقائق عظيمة ربما كان يظنها أوهاما لا قيمة لها.

"لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي".. لم يكن هذا الإفيه أو المشهد من فيلم «الإرهابي » للحوار بين قائد الجماعة «أحمد راتب» والعضو المطيع «عادل إمام)» مجرد موقف عابر يتم تداوله على سبيل السخرية والضحك، لم أكن أدرك أنه واقع حقيقي في مسيرة أي جماعة تنظيمية أو أي تيار صاحب أيديولوجية حتى ولو تداعوا جميعا لنفيه أو إنكاره، كيف لا والفكر الأيديولوجي قائم في الأصل على التسليم لا التفكير.

كان الشعار الحقيقي الذي عشته واقعا ملموسا هو «لا تفكر ولا تناقش وإلا أصحبت منبوذا وغير مؤتمن»!.. منبوذا داخل أروقة الجماعة، وغير مؤتمن على أي منصب بها، وغير جدير بالتصعيد التنظيمي داخل هياكلها.

لم يكن يروقني هذا التفكير، وكنت دائم السؤال والنقاش لأقابل بنظرات المسئول التى يكسوها الريبة لي وكلماته المحطمة قائلا: «خليك كدة انت مش فالح إلا ف الجدال وخلاص»، مما كان يدفعني للرضوخ ومسايرة زملائي الجالسين أمامه حتى لا أكون شاذا في وسط المجموع، ومن ثم يؤثر ذلك على تقرير المسئول عني فيتم تصعيدهم وأقف أنا مكاني منتظرا أناسا أقل عمرا مني، كي يعاد تربيتي معهم من جديد، لكني كنت أحس بالغصة بيني وبين نفسي من هذه المسايرة وهذا الإذعان.

فلاش باك
نشأت محبًا للقراءة والاطلاع على غير أغلب شباب الاخوان الذين تربيت معهم، كنت أشعر بنعمة القراءة وأثرها على العقل والتفكير.. أزعم أني كنت مميزا عن أقراني في هذا الوقت، ورغم أنها نعمة جميلة إلا أنها لم تلق قبولا رائجا من المسئولين عني، فمن آثار القراءة هو النقاش ومراجعة المواقف التي أراها خاطئة، وهذا في حد ذاته أمر سلبي في عقل المسئولين رغم أن محور قراءتي اقتصر على تاريخ الإخوان ورد الشبهات حولهم، لكن هذا أيضا لم يشفع لي، وظللت في نظرهم الأخ العاطل عن القيام بمهام الدعوة، المجادل الذي يعاني من الفراغ.