مشاركون فى مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية: الفن قادر على تغيير واقع القارة السمراء
اختتمت فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، التى بدأت فى 4 مارس الجارى، بمشاركة 35 دولة، وحققت نجاحًا كبيرًا، وتضمنت عقد عدد من الندوات، ناقشت قضايا سينمائية مهمة، منها قدرة الفن على تجاوز جنسية صانعه وتغيير الواقع للأفضل.
«الدستور» تسلط الضوء، خلال السطور التالية، على مدى تأثير تلك الفعاليات المهمة على مستقبل القارة السمراء، وتنقل للقراء آراء بعض أبرز المشاركين فى هذه الدورة، وحرصنا على أن تكون المناقشات إنسانية، بعيدة عن التصريحات الصحفية المعتادة، إذ التقينا ضيوفنا فى أروقة فندق الإقامة وعلى موائد الطعام.
كان أول ما تحدث عنه الضيوف هو أن المهرجانات الفنية ليست مجرد فساتين جميلة وسجادة حمراء، بل هى فعاليات توعوية مهمة، مرهقة فى تنفيذها، لكن عادة لا يركز جمهور السوشيال ميديا على الأمور المهمة.
مديرة المهرجان، المخرجة عزة الحسينى، حرصت على أن تتضمن هذه الدورة مناقشة مطبوعات المهرجان لهذا العام، وعلى رأسها الكتاب الذى يحكى إنجازات المخرج السنغالى الراحل ديوب مامبيتى، الذى جرى إطلاق اسمه على الدورة الحالية للمهرجان.
كنا تضمنت المناقشات تسليط الضوء على كتاب «10 نساء فى واحدة»، للكاتب والناقد السينمائى المصرى كمال رمزى، الذى يدور حول حياة ومسيرة الفنانة الراحلة هدى سلطان، فضلًا عن مناقشة كتاب يرصد مسيرة المخرج التونسى الكبير فريد بوغدير.
ومن بين الكتب التى جرت مناقشتها، كتاب عن المخرج شادى عبدالسلام، وهو من تأليف المخرجة والأكاديمية التونسية ميرفت الكمونى.
ميرفت الكمونى: شادى عبدالسلام «جنسية لوحده»
قالت «ميرفت» الكمونى، لـ«الدستور»، إنها لم تنشغل بفكرة أنها تونسية تناقش مسيرة مخرج مصرى، مؤكدة: «الجنسيات تسقط أمام الفن».
وأضافت المخرجة التونسية: «أستطيع تأريخ مسيرة المخرج شادى عبدالسلام، لذا فعلت ذلك، وأرى أن هذا المخرج الكبير يعتبر جنسية بشخصه»، لافتة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التى تكتب فيها عن مخرج مصرى، فقد كتبت قبل ذلك عن المخرج الراحل يوسف شاهين.
وأوضحت أنها متخصصة فى تدريس السينما المصرية والعربية فى جامعتها، مشددة على أن «شادى» من أكثر المخرجين الملهمين بالنسبة لها، متمنية أن يكون كتابها إضافة للمكتبة السينمائية العربية.
ونوهت بأن صانعات السينما فى تونس لا يواجهن أى مشكلات، ولا يشعرن بأن هذا المجال خاضع لسيطرة الرجال، موضحة: «الفن الجميل قادر على إثبات جدارته، بعيدًا عن جندر صاحبه».
وتابعت: «بشكل شخصى لم أواجه أى صعوبات.. ربما لأن المناخ الفنى فى تونس مختلف عن دول أخرى فى إفريقيا، ففى بلدى حصلت المرأة على حقوقها كاملة»، مشيرة إلى أن الرئيس التونسى السابق، الحبيب بورقيبة، سن تشريعات كثيرة خلال فترة رئاسته، أكدت المساواة بين المرأة والرجل «لا توجد اختلافات فى الرواتب بين الرجال والنساء.. والحرية متوافرة فى الشارع التونسى، وهذا يسمح بالإبداع».
وقالت إن الفن قادر على تغيير أوضاع القارة الإفريقية للأفضل «يمكن أن ننفذ مشروعات فنية بإنتاج مشترك، ستجعلنا نتحد ونصنع أعمالًا فنية مهمة، وهذا سيؤكد لكل إفريقى أن الاتحاد يمكن أن يحقق نجاحات كثيرة»، مستدركة: «لكن بشكل عام لا أرى أن دور الفن هو تغيير الواقع، فالفن- مثلًا- لن يستطيع وقف الحروب، لكنه قد يجعل المشاهد يفكر».
وأضافت: «كصانعة سينما أحرص على أن أفكر، وأن أشارك المشاهد لنفكر معًا.. دور الفن هو طرح التساؤلات».
ثيرنو إبراهيما ديا: مصر عادت قبلة لسحرة الفن الإفريقى من جديد
التقيت ثيرنو إبراهيما ديا، أكثر من مرة، ونشأت بيننا علاقة ود تقترب من درجة الصداقة، تسمح لى بطرح الأسئلة دون أن تسبقها حسابات كثيرة. التقيته المرة الأولى قبل سبع سنوات، فى الأقصر، لذا لم يكن هناك مفر من سؤاله عن التغيير الذى حل بمصر، فى العاصمة شمالًا، أو هنا فى الأقصر جنوبًا.
وللإجابة عن سؤالى قال: «لا يمكن إنكار أن مصر تغيرت للأفضل، بشكل ملحوظ وكبير على جميع المستويات، لكن أكثر ما أسعدنى على المستوى الشخصى هو الاهتمام بالشباب، وهذا تحديدًا أحد أهم أهداف المهرجان».
وأضاف: «الفن الإفريقى الجاد وسيلة تواصل فعالة نستطيع من خلالها التعبير عن آمالنا وثقافتنا وخصوصيتنا وأن ندافع عن وجودنا. مهرجان الأقصر مثال جيد لما يمكن للفن أن يصنعه، فالأفلام قادرة على تغيير الواقع عبر تغيير إدراك الجمهور للواقع، ومصر عادت قبلة لسحرة الفن من جديد».
نائلة إدريس: تغيير وتعديل القوانين فى أى بلد مرتبط بما تناقشه الأفلام من قضايا
اتفقت الناقدة السينمائية التونسية نائلة إدريس مع «ديا»، وقالت: «السينما قادرة على تغيير الواقع ولكن ليس بشكل مباشر، السينما مهمتها جعل الجمهور يفكر لأنه بالتفكير فقط يتغير الناس، والمسئولون جزء من الجمهور، وحين يقتنعون بوجاهة طرح قضية ما فإنهم يسارعون لتغيير القوانين وتعديلها لإيجاد حل للقضية المطروحة».
درة بوشوشة: على مدى التاريخ تعبر النساء عن وجودها ومشكلاتها عبر الفنون
فى حلقة نقاشية شاركت فيها المخرجة الشابة صابرين، إحدى المشاركات فى «ذا فاكتورى» لتطوير أفكار الأفلام تحت إدارة المخرجة كوثر يونس، والمنتجة درة بوشوشة، استمعت لسرد عن تجربة الأخيرة الفنية، حيث قالت إنها شعرت أنها أجبرت على أن تصنع فنًا فى مقارنة مع الرجال، وهذا عكس ما يجب أن يكون عليه الفن، وأن فنها لم يكن يعبر عما تريد أن تعبر عنه إلا حين توقفت عن المقارنة بينها وبين الرجال».
وتابعت: «لقد تناسينا التاريخ، ففى التاريخ النساء كن صانعات فن وعازفات ويعبرن عن أنفسهن عبر الفن، دون الحاجة للمقارنة أو منافسة الرجال. لمعت النساء، ولكن بشكل عام عندما تصنع شيئًا ما عليك فقط الاهتمام بهذا المصنوع وجعله يشبهك وحقيقيًا، فكر فقط فى أنك صانع عمل».
رزان محمد: نقلت معاناة النازحات فى المخيمات إلى الشاشات
قالت المخرجة السودانية الشابة، رزان محمد، مخرجة فيلم «طوبى لهن» عن النساء فى مخيم للنازحين، إضافة إلى فيلم آخر يناقش معاناة المرأة مع الدورة الشهرية: «أرفض تصنيفى مخرجة أفلام نسائية، أنا فقط أتحدث عن نفسى وعن أشياء أمر بها وإن لم أكن لأمر بها ما كنت لأصنع أفلامًا عنها».
وأضافت: «شاء القدر أن أكون أنثى، ولكن هذا لا يعنى أننى غير قادرة على التعبير عن باقى القضايا التى تشغل بال الجنسين، وفيلمى (طوبى لهن) مثال لذلك، فأنا لم أكن نازحة يومًا ما، ولكنى تمكنت من التعبير عن مشكلات النازحات، ونقلتها من المخيمات إلى شاشات العرض، وهذا يعنى أن لدى القدرة على التعبير عن قضايا تخص الرجال كذلك».
وتابعت: «الفن فن وليس مذكرًا أو مؤنثًا، ورغم هذا فقد واجهت صعوبة فى إقناع أهلى بالعمل على أفلام مثل تلك، نظرًا لخلفيتى المحافظة، وكأن قضايا المرأة تابوه لا يجب الحديث عنه، وهذا ليس منطقيًا لأن قضايا المرأة هى نصف قضايا المجتمع ولا يجب إغفال نصف المجتمع جملة، وإلا صار العالم أعرج».
عبدالإله الجوهرى: السينما صاحبة أقوى تأثير على الاتصال الجماهيرى
عن سؤال هل المهرجانات الثقافية «فلوس ع الأرض»؟ قال رئيس اتحاد المخرجين المغاربة، عبدالإله الجوهرى، إن الأنشطة الثقافية بشكل عام والمهرجانات السينمائية على وجه الخصوص تلعب دورًا مهمًا على جميع الأصعدة، لأنها تعمل على نشر الوعى والثقافة، لأن السينما لها دور مهم فى تطور وتقدم أى مجتمع، والتأثير الذى تتركه الأفلام تعجز عن الوصول إليه أى أدة اتصال جماهيرى أخرى.
وأضاف: «ربما لا يعرف الكثيرون الوضع السياسى أو الاقتصادى لمصر، ولكن الكل يعرف الحضارة المصرية التى ظهرت فى أفلام مثل المومياء وغيرها، والعالم كله يعرف يوسف شاهين، الذى ارتبط اسم مصر باسمه على مستوى المهرجانات العالمية».
وتابع: «لهذا لا يتوجب علينا أبدًا أن ننظر لتنظيم المهرجانات الفنية على أنه نوع من مضيعة الوقت أو المال، بالعكس هو تكريس للروح الحقيقية وتربية للأجيال على عشق الجمال ومحبة الحياة».
صُناع «حامل اللقب»: مشاركتنا تخدم الجمهور والفانتازيا امتداد لمدرسة رأفت الميهى
أثار تواجد فيلم «حامل اللقب» ضمن عروض الأفلام بمهرجان مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية تساؤلات كثيرة لدى جمهور المهرجان، خاصة أنه من غير المعتاد مشاركة الأفلام التجارية فى المهرجانات السينمائية، التى عادة ما تهتم باختيار أفلام ذات طابع ثقافى جاد، ولا تهتم عادة بالأفلام ذات القالب الكوميدى، حتى وإن حظيت بإيرادات عالية وإشادات نقدية.
«الدستور» حملت التساؤلات المشروعة حول طبيعة مشاركة فيلم «حامل اللقب» فى مهرجان الأقصر إلى صناعه، الذين أجابوا عنها بصدر رحب، وبينوا طبيعة الفيلم المختلفة وطابعه الفانتازى الذى يجعل من مشاركته فى المهرجان أمرًا منطقيًا، فى ظل ما يتسم به من رؤية خاصة.
وقال المخرج هشام فتحى، مخرج العمل، إن طبيعة الفيلم الكوميدية جعلت الجمهور يتقبل القضية التى يناقشها، لأن إمتاع الجمهور يسمح له بتقبل الأفكار.
وأضاف: «كنت أتوقع القبول الذى لاقاه الفيلم، ورغم أنى كنت أرغب فى صنع فيلم كوميدى إلا أنى اخترت أن يحمل رسالة مهمة، وأن يدعمها بالضحك، لذا فهو لا يختلف عن أعمالى السابقة، فهو يحمل طابع فانتازى، لذا نجح فى جذب الجمهور العادى وجمهور المهرجانات».
وتابع: «كنت من أوائل من أعادوا أفكار الفانتازيا للسينما، واخترت أن تكون مشاريع منذ تخرجى فى معهد السينما بهذا الطابع، أى أنها أفكار مجنونة وغير واقعية، لأنه منذ رحيل المخرج الكبير رأفت الميهى، وغيره من رواد هذا القالب، أصبح هذا الاتجاه مهملًا، لهذا أصررت على العمل به حتى لا يندثر».
فيما قال الفنان أحمد فتحى، أحد أبطال العمل، إن أى فيلم، مهما كان طابعه، لا بد أن يناقش قضية ما، مهما كانت تلك المناقشة بسيطة، لأن لكل صانع أفلام رؤية، موضحًا أن الضحك فى رأيه قضية فى ذاتها، لذا يمكن صنع عمل فنى يكون هدفه الأول والأساسى هو الضحك فقط.
وأضاف: «أنا همى الأساسى هو إضحاك الناس».
أما الفنان هشام ماجد، أحد أبطال العمل، فأكد أنه من الملفت تواجد فيلم مثل «حامل اللقب» فى مهرجان دولى مثل مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، لأن صناع المهرجان احترموا ذوق الجمهور، متمنيًا أن يجرى عرض أفلام مختلفة فى المهرجانات السينمائية، دون أن تقتصر على أنواع بعينها، مما اعتاد الناس على تسميتها باسم «أفلام المهرجانات».
وأضاف: «قدم مهرجان الأقصر أنواعًا مختلفة من الفن، فى وجبات عدة، وبالتالى أصبح (بوفيه مفتوح)، يجد فيه كل شخص ما يحبه، مهما كانت ذائقته الفنية، وهذا ما يمثل فى رأيى عنصر جذب كبيرًا».
من جانبه، قال أحمد شوقى، الناقد السينمائى، إن عرض فيلم تجارى فى سينمات بعيدة عن العاصمة يمثل خدمة لجمهور المنطقة التى يعرض بها، لأن أهلها قد لا تتاح لهم فرصة مشاهدة هذا الفيلم.
وأضاف: «عرض فيلم تجارى فى محافظة بعيدة، ضمن أفلام مهرجان ما، يرتقى بذوق الجمهور، فى ظل قلة دور العرض السينمائية، وهو ما ينطبق على مهرجان الأقصر، وقد عانيت شخصيًا فى صغرى، أثناء نشأتى فى مدينة طنطا، من قلة عدد السينمات، وكلها لم تعد موجودة حاليًا، بعد تركز دور العرض فى القاهرة والإسكندرية، رغم تواجد الجمهور».
وأكمل: «الناس فى الأقاليم متشوقة للحديث عن السينما والتواصل مع صناع الأعمال الفنية، لأنهم لم يشبعوا بعد من الفن، خلافًا لسكان القاهرة، الذين وصلوا إلى حد التخمة، لذا تسهم المهرجانات فى توفير ذلك، وأرجو أن تنتشر السينمات فى المحافظات مجددًا، لأن هذا يخدم الصناعة الفنية كثيرًا».