جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فى محبة ساكنى الأوليمب الذين شرفوا معرض الكتاب «1-4»

يأتى اختيار اليونان لتكون ضيف شرف معرض القاهرة الدولى للكتاب ٢٠٢٢، ليجدد حنينًا وتواصلًا لا ينقطع مع الثقافة والحضارة اليونانية. 

والوجود اليونانى فى مصر قديم منذ فجر الحضارتين المصرية واليونانية.. فالمؤرخ اليونانى هيرودوت زار مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد، وذكر أن الإغريق كانوا من أولى المجموعات الأجنبية التى عاشت فى مصر، فقد تأسست أول مستعمرة يونانية دائمة فى مصر فى القرن السابع قبل الميلاد فى مدينة ناوكراتيس «نقراطس»، التى تقع حاليًا بالقرب من إيتاى البارود بمحافظة البحيرة، وعملت كحلقة تعايش لتبادل الفنون والثقافة المصرية اليونانية.

ومما يشير إلى العلاقات المصرية اليونانية فى العصر الفرعونى ما ذكره هوميروس فى الأوديسة، من القرن الثامن قبل الميلاد، من أن الرحلة بين مصر وكريت كانت تستغرق خمسة أيام، وأن الرياح الموسمية كانت تسهل الرحلة بين مصر وكريت واليونان وروما.

ولم تكن العلاقة بين البلدين مقصورة على قدوم اليونانيين إلى مصر، فقد تم العثور على آثار مصرية قديمة بجزيرة كريت من فترات مختلفة للدولة القديمة والحديثة.

كما قام اليونانيون بنقل منجزات الحضارة المصرية إلى بلاد الغرب بعد أن تأثروا هم بها أولًا. 

ويتضح تأثير المعالم المعمارية والفنية للحضارة المصرية على الحضارة اليونانية فى الواجهة المثلثة أو الجمالون والأعمدة النخيلية وفنون النحت فى المعابد والتماثيل.

وقد نقل اليونانيون عن المصريين «الأقنعة» التى عرفت فى مصر منذ عهد الدولة القديمة، والألعاب الرياضية والمسابقات، كالمصارعة والملاكمة التى عرفها المصريون قبل الإغريق، ووجدت بمعبد هابو من عهد رمسيس الثالث، كما تأثر المسرح اليونانى بمصر ومنها تمثيل مشاهد من أسطورة أوزوريس. 

وعندما جاء الإسكندر الأكبر لمصر فى مرحلة مبكرة من فتوحاته، أعلن عن احترامه الديانة المصرية، بل نسب نفسه للإله آمون، وتم تتويجه فى معبد آمون فى سيوة وأسس مدينة الإسكندرية، وبعد وفاته فى عام ٣٢٣ قبل الميلاد تم تقسيم إمبراطوريته بين جنرالاته. أُعطيت مصر لبطليموس الأول الذى بدأ مع حكمه عصر البطالمة فى مصر، وفى عهدهم أصبحت الإسكندرية مركز العالم اليونانى ومركز التجارة الدولية والفن والعلوم. كانت منارة الإسكندرية واحدة من عجائب الدنيا السبع فى العالم القديم، بينما كانت مكتبة الإسكندرية فى عهد بطليموس الثانى أكبر مكتبة فى العالم. 

ورغم تقلص النفوذ السياسى الإغريقى فى مصر مع الاحتلال الرومانى ودخول الإسلام مصر، فإن العلاقات الثقافية ظلت متبادلة، وظل اليونانيون يفدون لمصر ويستقرون بها، وقد أظهر التعداد السكانى فى عام ١٩٠٧ أن ٦٢٩٧٣ يونانيًا يعيشون فى مصر، وبحلول عام ١٩٤٠ بلغ عدد اليونانيين حوالى ٢٥٠٫٠٠٠. 

عاشت الجالية اليونانية فى الإسكندرية، والقاهرة، والمنصورة، وبورسعيد، والمنيا ومختلف محافظات مصر. 

ومن ثم كانت اليونان- وما زالت- جزءًا من الذاكرة المصرية الحديثة، ففى الذاكرة الثقافية المصرية تستحوذ الأساطير اليونانية على جانب كبير من رؤيتنا للعالم القديم، ويكاد يكون أبطال الأوليمب فى صراعهم الأزلى هم الأقرب للوجدان المصرى.. زيوس، أثينا، أبوللو، هيرا، هركليز.. كلها أسماء تجد صداها فى الكتابات المصرية. 

ولا يغيب عنا تأثير الأدب اليونانى القديم.. هوميروس بكل ما قدم من ملاحم الإلياذة والأوديسة، بنيلوبى، حصان طروادة، كعب أخيل، صندوق باندورا، أوديب، إلكترا، الشاعرة صافو، المسرحيون: إسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس، الفلاسفة: سقراط وأفلاطون وأرسطو. 

وفى العصر الحديث نعرف اليونان من ميلينا ميركورى الممثلة التى تحولت إلى وزيرة للثقافة، والملياردير أوناسيس الذى نتتبع حكاياته ومغامراته فى النساء الشهيرات: مغنية الأوبرا ماريا جلاس، وأرملة الرئيس الأمريكى جاكلين كينيدى أكثر مما نهتم بتفاصيل إمبراطوريته فى عالم البترول والناقلات العملاقة، الشاعر قسطنطين كافافى اليونانى المصرى الذى قضى معظم حياته بالإسكندرية.

ومن نيكوس كازانتزاكيس ورواياته التى تكشف عن الصراع بين العاطفة الإنسانية والقيم الروحية: الإغواء الأخير للمسيح، زوربا اليونانى،.. ،.. 

لقد ظللت لسنوات أعتقد أن الممثل أنتونى كوين مؤدى دور زوربا وعمر المختار هو ممثل يونانى، لكنى اكتشفت أنه ممثل مكسيكى عام ٢٠١٩ أثناء استعدادى للسفر لأثينا، التى تأخرت زيارتى لها كثيرًا.

وللحديث بقية.