جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

درس أحمد الحجار

لكل راحل درس، ودرس الفنان الكبير أحمد الحجار كان بليغا كبلاغته، بلاغة موسيقاه وانتقائه الكلمات ونأيه عن كل ما يشين وهو في قلب الشهرة وعز المال، وبلاغة عمره القصير نفسه؛ إذ لم يعش إلى الثمانين التي ذمها الشاعر العربي لما قال: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش .... ثمانين حولا لا أبالك يسأم. إنما لقي ربه عن 65 عاما، بسكتة قلبية أو أزمة قلبية، كما راج، بنفس الاختلاف في سبب الوفاة، وإن جرى الاتفاق على أنه شيء أصاب القلب، قلب المحب الجميل الذي بكى لفقده الأعداء قبل الأصدقاء، ولا أعداء على الحقيقة!
لم يكن أحمد الحجار، وليد بيت الفن الأصيل، صوتا عظيما في الغناء، لم يكن يماثل صوت أبيه المغني الشجي البديع إبراهيم الحجار، ولا أخيه المطرب العبقري الواثق علي الحجار، كان دونهما صوتيا، ودون كثيرين في الساحة ممن لحن لهم أو غنى معهم، غير أنه امتلك صدقا في الأداء ندر أن يمتلكه عصفور من عصافير الله الطليقة.. كان هذا درسه الأول.. أن تكون صادق الأداء أبقى من أن تكون حسن الرنيم، وأما الدرس الثاني فكان ما أومأت إليه مجملا من البداية، كان بساطته وتواضعه وسمو أخلاقه عموما؛ فقد كان مثالا قويما يحتذى، وهو ابن وسط يتشكك الناس، بالحق وبالباطل، في استقامة طباع المنتمين إليه.. وهكذا قال للجميع، بلا تكلفة كلام، إن الفنانين بخير!
لم يعمل أحمد الحجار بكثرة، لكنه بدأ صغيرا وهو طالب بالمعهد العالي للموسيقى العربية، في الفرقة الأولى، وهو المكان الذي تعلم فيه العزف على العود والبيانو، بدأ بلحن لأخيه، صار مشهورا بعد ذلك، كما صار أخوه نجما فارقا، هو لحن أغنية "اعذريني" الذي ضمه ألبوم على الحجار الذي حمل الاسم نفسه، وكان صدر في عام 1981.. بعدها اتجه أحمد الحجار للغناء بجانب التلحين، ومع السنوات كانت أغنيته "عود"، من ألحانه وكلمات الشاعر الكبير جمال بخيت، أولى الأغاني التي صنعت جسرا متينا من المودة بينه وبين الجماهير.. ثم كانت أغنياته الذائعة: لملمت خيوط الشمس، يكفاكي، لحظة وداع، اتمنيت، قد الأحلام، حنين، ولاد عمري، هواكي، خلينا في بكرة.. 
وهي سلسلة الأغاني الذهبية التي وطدت علاقته بآذان المستمعين وأرواحهم.. أصدر، طوال مسيرته، حوالي أربعة ألبومات غنائية، وألف موسيقى مسرحيات معتبرة، ووضع مقدمات مسلسلات متميزة. لحن أيضا لمطربين عديدين أمثال مدحت صالح ومحمد الحلو ومحمد فؤاد وعلاء عبد الخالق وأنوشكا وهشام عباس، وغيرهم، ممن كانوا رموزا بأجيالهم، بعد أن تخطى الزمن أجيال الراسخين من المغنين..
مسيرته مباركة بمعنى ما؛ فبالرغم من قلة عطائه، إلا أنه نفذ في الزمان والمكان، وسبق سابقيه، وكتب اسمه على شجرة طيبة "أصلها ثابت وفرعها في السماء"..