جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر والجزائر.. تطلعات تتحقق

الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون حلّ ضيفًا عزيزًا على مصر، لمدة يومين، عقد خلالهما جلسة مباحثات ثنائية مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، أعقبتها جلسة موسعة بحضور وفدى البلدين، استمرارًا للتشاور الدورى والتنسيق المكثف، و«تعزيزًا للعلاقات المتميزة التى تربط البلدين الشقيقين وما يجمعهما من مصير مشترك ومستقبل واحد»، بحسب تعبير الرئيس الجزائرى، الذى أعرب عن تطلعه إلى أن تضيف هذه الزيارة زخمًا إلى الروابط المتينة والممتدة التى تجمع بين الدولتين على المستويين الرسمى والشعبى.

القاهرة، هى المحطة الخارجية الثالثة للرئيس الجزائرى منذ توليه منصبه، فى ديسمبر ٢٠١٩، ونكاد نقطع بأن فيروس كورونا هو السبب الرئيسى، أو الوحيد، لتأخر تلك الزيارة، استنادًا إلى الدفعة القوية التى شهدتها العلاقات بين البلدين، منذ منتصف ٢٠١٤، إذ كانت الجزائر هى أول عاصمة يزورها الرئيس السيسى، بعد توليه الحكم، إضافة إلى انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة، برئاسة رئيسى وزراء البلدين، فى أكتوبر التالى، التى تم خلالها التوقيع على ١٧ اتفاقية مذكرة تفاهم.

مع الأواصر التاريخية الوثيقة، التى تجمع البلدين الشقيقين، هناك أيضًا مساحة كبيرة من المصالح المشتركة، على كل الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أنهما يواجهان مخاطر وتهديدات وتحديات تكاد تتطابق، ويتشاركان الرؤية نفسها، التى تقوم على أهمية العمل على توفير الأمن والتنمية الاقتصادية لدول المنطقة، مع ضرورة تضافر جهود المجتمع الدولى من أجل التوصل إلى تسويات سياسية للأزمات التى يشهدها بعض تلك الدول، بما يحافظ على وحدة أراضيها ويصون سيادتها ومقدرات شعوبها. 

تأسيسًا على ذلك، كان الرئيس السيسى بين أول من هنأوا الرئيس تبون على اجتياز الجزائر المرحلة الانتقالية، وانتخابه رئيسًا للجمهورية، ولم تمض أسابيع حتى التقى الرئيسان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، فى ٨ فبراير ٢٠٢٠، على هامش قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقى. وفى آخر أيام تلك السنة، أجرى الرئيس السيسى اتصالًا تليفونيًا مع الرئيس تبون، لتهنئته بمناسبة تعافيه من فيروس كورونا، متمنيًا له دوام الصحة والعافية وللجزائر وشعبها الشقيق كل خير وسلام وازدهار.

فى المرتين، أكد الرئيس الجزائرى اعتزاز بلاده بالروابط والعلاقات الوثيقة التى تربطها بمصر على المستويين الرسمى والشعبى، وثمّن التفاعل المصرى المتزن والحكيم مع مختلف القضايا الإقليمية، المستند على ثقلها السياسى المحورى على الصعيدين الإقليمى والدولى. كما أكد الرئيس السيسى تميز العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين، وتطلع مصر للدفع قدمًا بأطر التعاون الثنائى، خاصة على المستوى الاقتصادى، وتعظيم حجم التبادل التجارى، وزيادة الاستثمارات البينية، وفيما يتعلق بتعزيز قنوات التواصل بين البلدين. 

بالفعل، وعلى خلاف ما يتوهمه خبراء المصاطب وبعض مشجعى كرة القدم، تعززت قنوات التواصل، ولم تنقطع اللقاءات بين مسئولى البلدين، وصولًا إلى زيارة رمطان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائرى، للقاهرة، الإثنين قبل الماضى، التى تناول خلالها مع نظيره سامح شكرى، عددًا من الملفات ذات الاهتمام المشترك، واستعرضا مختلف مجالات وآليات التعاون الثنائى، فى إطار تجسيد التوجهات الاستراتيجية التى وضعها رئيسا البلدين. والإشارة هنا مهمة إلى أن الرئيس السيسى، لدى استقباله «لعمامرة» وتسلمّه رسالة خطية من الرئيس تبون، أعرب عن تطلعه للقاء نظيره الجزائرى، ومواصلة تعميق الشراكة الاستراتيجية.

تحقق، إذن، ما تطلع إليه الرئيس السيسى، خلال أسبوع. وتحقق، أيضًا، ما تطلع إليه الرئيس الجزائرى، أمس، وأضافت زيارته القاهرة، بالفعل، زخمًا إلى الروابط المتينة والممتدة، التى تجمع بين الدولتين على المستويين الرسمى والشعبى، ننتظر أن يتم تعزيزه وتعميقه خلال الدورة المقبلة، الثامنة، للجنة العليا المشتركة على مستوى رئيسى وزراء البلدين، التى يجرى الاستعداد لعقدها فى أقرب وقت.

أخيرًا، وعلى خلاف ما يتوهمه خبراء المصاطب وبعض مشجعى كرة القدم، أيضًا، نؤكد أن الجزائريين، الذين لا يحبون مصر هم أنفسهم الذين يكرهون الجزائر، وهم أنفسهم الذين استشاطوا غضبًا وغلًا وغيظًا حين قام المصريون بكنس جماعة الإخوان، بالضبط كما فعلوا حين تلقى مرشح الفرع الجزائرى لتلك الجماعة هزيمة قاسية، ومنطقية، فى الانتخابات الرئاسية الجزائرية، وكما أوجعهم، ويوجعهم، أن يروا الرئيس الجزائرى الثامن بعد الاستقلال يسير بخطى، تشبه تلك التى سار، ويسير، بها الرئيس السيسى.