جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أزمة النقب.. ما وراء حملة التشجير الإسرائيلية فى أراضى البدو؟

تظاهرات بين الأهالى
تظاهرات بين الأهالى

بدأت الأزمة قبل أكثر من أسبوع، عندما دخلت الجرافات الإسرائيلية لجرف الحقول فى عدة قرى بالنقب، وسط حراسة الشرطة، واحتجاجات السكان البدو، التى تطورت لتصبح تظاهرات امتدت لعدة أيام متواصلة، احتجاجًا على مشروع غرس الأشجار فى أراضٍ تابعة للسكان البدو فى المنطقة، الذى تقف وراءه مؤسسة الصندوق الدائم لإسرائيل «الكيرن كاييمت». ورغم تفجر الأزمة الأسبوع الماضى، فإنها ليست جديدة، بل بدأت قبل ذلك بوقت طويل، لكن توقيت تفجيرها حاليًا وأسباب اندلاعها بهذه الصورة تقف وراءها عدة أسباب سياسية ومصالح حزبية وأهداف أخرى، من بينها التأثير على الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة رئيس الوزراء نفتالى بينيت.

تظاهرات بين الأهالى.. غضب فى الأحزاب العربية.. ودعوات يسارية للتهدئة والوصول لـ«حلول وسط»

تواصلت، على مدار الأسبوع الماضى، ولعدة أيام، تظاهرات السكان البدو فى النقب احتجاجًا على مشروع غرس الأشجار فى أراضيهم.

وقال بيان صادر عن الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية، إن نحو ٢٠٠٠ شخص شاركوا فى تظاهرة أقيمت بالقرب من أراضى عشيرة الأطرش البدوية، وألقى بعض المتظاهرين الحجارة باتجاه رجال الشرطة، الذين اعتقلوا ١٣ شخصًا من المتظاهرين بتهمة القيام بأعمال شغب.

وأوضح البيان أن الشرطة فرقت المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، وأفاد بأن ثلاثة من المتظاهرين أصيبوا بإصابات بسيطة وتم نقلهم إلى المستشفى لتلقى العلاج.

وذكر أنه تم اقتلاع شتلات الأشجار التى زُرعت فى أراضٍ بجوار مضارب عشيرة الأطرش، رغم الحراسة التى وضعتها «الكيرن كاييمت» فى المكان.

وأثارت الأحداث فى النقب ردود أفعال متباينة بين الأحزاب والحركات السياسية فى إسرائيل، وسط تحفظات واسعة من الأحزاب العربية.

ووصفت القائمة المشتركة، التى تضم عدة أحزاب عربية، الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها حكومة الاستيطان وغرس الشجر على حساب البشر، وحمّلتها مسئولية القمع والبطش البوليسى الوحشى ضد المتظاهرين، وطالبت بالإفراج الفورى عن المعتقلين.

وأكدت القائمة المشتركة، فى بيان لها، أن ما يجرى فى النقب حاليًا هو استمرار لحملة التجريف والتشجير التى تهدف أولًا وأخيرًا إلى اقتلاع البشر والحدّ من توسعهم.

وأضافت: «ما رأيناه خلال قمع التظاهرة يؤكد أن النيات المبيّتة لدى هذه الحكومة تجاه أهلنا فى النقب لم تتغير، بل على العكس تزداد حدّة وشراسة، وهذا القمع الوحشى هو عمل يهدف إلى ردع أى مقاومة مستقبلية لمخططات التجريف والتحريش وسلب الأرض، التى أكدت أطراف فى الحكومة أنها مستمرة، وسوف تنفّذ وفق التخطيط، وكل مَن يقول غير ذلك فهو يذرّ الرمال فى عيون أهل النقب وأصحاب الأرض».

فيما قال منصور عباس، عضو الكنيست الإسرائيلى ورئيس كتلة «القائمة العربية الموحدة»، «راعم»، إن قائمته ضحّت من أجل الحفاظ على الشراكة مع أحزاب الائتلاف الحكومى الحالى وضمان استمرار عمله، مضيفًا أن هذه التضحية جاءت من أجل أن تتجاوب الحكومة مع «راعم»، وتقدم حلولًا للقضايا المعقدة التى يواجهها السكان العرب.

وتابع «عباس»، فى مقابلة أجرتها معه القناة الإسرائيلية الـ١٢: «هناك مرحلة يجب علينا أن نقول فيها إننا لم نعد نتحمل استمرار الأوضاع القاسية للسكان العرب، ويجب توفير حلول لها»، مهددًا بالانسحاب من الائتلاف الحكومى فى حال استمرار عمليات تجريف الأراضى فى منطقة عشيرة الأطرش البدوية فى النقب.

من جانبهم، علق وزراء ينتمون إلى معسكر اليسار والوسط بشكل متوازن تجاه الأزمة، وقال وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى يوآف سيجالوفيتش، من حزب «يوجد مستقبل»، إن الحكومة ارتكبت خطأ عندما قررت المضى قدمًا فى حملة غرس الأشجار بالقرب من مضارب البدو فى النقب، لكنه أكد أنه لا يرى أى مبرّر لردات الفعل العنيفة والإخلال بالنظام من طرف السكان فى المنطقة.

كما علق وزير الخارجية رئيس الحكومة البديل يائير لبيد بقوله: «يجب على إسرائيل أن تقوم بغرس الأشجار، لكنها ليست مضطرة إلى إلحاق أى ضرر بمعيشة سكان المنطقة.. ويمكن وقف عمليات الغرس الآن من أجل الاستعداد لها من جديد، فحكومة التغيير مُلزمة بحلّ مشكلة السكان البدو والتوصل إلى تسوية فى النقب».

فى المقابل، حاول اليمين الإسرائيلى إشعال الأزمة، وأكد بنيامين نتنياهو، رئيس حزب «الليكود» زعيم المعارضة، أنه لا يمكن لأى جهة أو شخص وقف غرس الأشجار.

وأضاف، فى تغريدة نشرها فى حسابه الخاص على موقع «تويتر»: «إننى أقدم الدعم الكامل لقوات الأمن، وأطالب رئيس الحكومة نفتالى بينت بأن يدين فورًا تحريض قائمة راعم، شريكته الكبرى فى الائتلاف».

كما دعا أعضاء الكنيست من كتلة «الصهيونية الدينية» وزير البناء والإسكان الإسرائيلى زئيف إلكين، بصفته المسئول، إلى «عدم الرضوخ أمام تهديدات رئيس كتلة راعم عضو الكنيست منصور عباس»، ووصفوا هذه الأزمة بأنها «امتحان لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية».

السيطرة على الأرض الهدف الرئيسى.. وتصعيد يمينى برعاية نتنياهو لتفكيك «الائتلاف الحاكم»

بعيدًا عن الجدل السياسى، يرى المراقبون فى إسرائيل ألا أحد يقتنع أن حملة غرس الأشجار بعد تجريف الأراضى المجاورة لمناطق سكن البدو فى النقب تهدف فعلًا إلى الاحتفال بعيد غرس الأشجار، بحسب التقويم اليهودى، أو إلى تحسين البيئة فى النقب.

وأوضحت تقارير مختلفة أن الحديث يدور فى واقع الأمر حول مبادرة سياسية واضحة تهدف للسيطرة على أراضى البدو، أو التخلص من سيطرة البدو عليها بصورة نهائية، مشيرة إلى أسباب إصرار الصندوق الدائم لإسرائيل «الكيرن كاييمت» على العودة عامًا بعد عام إلى تشجير أرض زراعية فى تلك المنطقة تجديدًا من بين آلاف المساحات الخالية فى النقب.

وأكدت التقارير أن أعمال التشجير ليست بيئية ولا اجتماعية، بل يمكن وصف التشجير بأنه يتم لـ«دواعٍ سياسية»، فالهدف المعلن هو التشجير لكن الهدف الخفى هو كبح تطور البلدات العربية فى النقب، وإضافة وقائع على أراضٍ هى موضوع خلاف فى المحاكم. 

ولفتت إلى أن الجرافات التى تعمل فى تلك الأراضى بإمكانها أن تهدم منازل البدو وتجرف حقولهم دون أن تقدم لهم بديلًا، خاصة أنه بالنسبة لإسرائيل فإن هذه الأراضى ليست ملكًا للسكان ولا يحق لهم البناء فيها، وفى الوقت نفسه ليس هناك بديل لمكان يعيشون فيه من بلدات ريفية أو بدوية، والحل الوحيد هو انتقالهم إلى مدن حضرية وليست بدوية، وهو ما يتطلب منهم تغييرًا جوهريًا لنمط حياتهم. ونوهت إلى أنه، وقبل عامين، تسببت خطوة غرس أشجار مماثلة باندلاع احتجاجات من طرف السكان البدو وإبداء معارضة من جانب منظمات جودة البيئة، وفى ذلك الوقت، وافقت الحكومة الإسرائيلية، التى كانت برئاسة بنيامين نتنياهو، على وقف عمليات غرس الأشجار، وكذلك وافقت على القيام بإجراءات تحكيم مع السكان البدو. 

وذكرت أن ردة الفعل العنيفة من جانب السكان البدو تركت انطباعات مهمة لدى الحكومة الإسرائيلية، وأيقظت ملف أزمات البدو من جديد، وحقوقهم فى بلدات منظمة ومخططة جيدًا، ما يستلزم تطوير البنى التحتية وتحسين مستوى الخدمات بصورة جوهرية وتقليص البطالة، وذلك إلى جانب الحفاظ على نمط الحياة التقليدى لهذا القطاع. 

وأفادت بأن اليمين الإسرائيلى، بقيادة «نتنياهو» يشتبه فى أنه وضع مخططًا لإشعال النقب، وتفجير انتفاضة عربية، بغرض إحراج «القائمة العربية الموحدة»، الشريكة فى الائتلاف الحاكم، وانسحابها، ما يتسبب فى إسقاط حكومة نفتالى ببنيت. 

وقالت مصادر سياسية، إن حزب «الليكود»، ومجموعة تسمى نفسها «مجموعات دعم نتنياهو»، بادرت إلى إشعال الأوضاع فى النقب، وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن رئيس لجنة العمال فى «الصندوق الدائم لإسرائيل- كاكال»، إسرائيل جولدشتاين، هو الذى يقف وراء حملة تجريف أراضى عرب النقب فى منطقة الأطرش وغرس الأشجار فيها، لأن القرار بهذا الشأن اتخذ عام ٢٠١٨، وقام رئيس الوزراء نتنياهو بتجميده، وقرر جولدشتاين إعادة تفعيله، لإشعال الأزمة. وقالت الصحيفة، إن «جولدشتاين» عضو فعال فى حزب «الليكود»، وأعلن، الشهر الماضى، على حسابه بموقع «فيسبوك»، عن انضمامه إلى نشاط الحزب رسميًا، بهدف إسقاط الحكومة الحالية. 

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية على لسان مسئول فى الائتلاف الحكومى قوله، إن اليمين المتطرف مستعد للتسبب فى إحراق إسرائيل برمتها من أجل تغيير الحكومة وإعادة نتنياهو إلى الحكم.