جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

"الحُسن" الذي لا يراه الإعلام


في مقولة رائعة للرئيس السيسي ، أكد " ربنا بيحب الحُسن.. والسلام حُسن.. والخير حُسن.. والتعاطف حُسن.. وأي حاجة قبح مالهاش مكان، أي قبيح مالهوش مكان بيننا . الجمال فقط هو اللي ليه مكان ، واحنا هنا في بلدنا هنقدّم ده، هنقدّم الجمال والحُسن للعالم كله .. "  ..
إنه القبح الذي استدعى نزول الجماهير المصرية بالملايين في الشوارع والميادين في كل محافظات مصر في 30 يونيو 2013 ، وبإرهاصات أولى رائعة أبدعها أهل الفن والفكر والثقافة من بيتهم بيت الثقافة ( وزارة الثقافة ) وأمام مكتب ذلك المعين من قبل إخوان النكد والتخلف وزيرًا للثقافة رفضًا ومنعًا لدخوله مكتبه.. لقد أدركت تلك الجماهير الهدف الرئيس الذي تعجل الجماعة الحاكمة لتحقيقه يتمثل في تغيير الهوية الثقافية لتسود جراثيم التخلف وميكروبات القبح وفيروسات الغباوة والاندحار القيمي..
لاشك أن الإحساس بالجمال قيمة رائعة وعظيمة بتنا في حاجة ماسة إليها  في حياتنا ، وعليه وجب على إنسان العصر الإصغاء والتماهي مع تجليات الفنون  في كل تفاصيل مرئياتنا بعد أن ازدادت للأسف مساحات القبح وآثاره السلبية ؛ فالفنون تمثل نتاجًا لعناصر إبداعية تتجدد وتتنوع بتأثير بالغ على متلقيها ، و من شأنها تحفيز وجدان وعقل وفكر الجماهير بما يطلق عليه الاستجابة الجمالية.
إن الحياة بغير الجمال رتيبة كئيبة ، فلو تصورنا الأرض لا تنتج عُشبًا أخضر أو شجرًا وأن السحب في السماء كانت دائمًا دون تناغم لوني وأن البشر باتوا نسخًا مكررة بدون تغيير وتباين وأن كل البيوت  كان يسودها لون عتمات يوم عاصف بدون تناسق وإننا نفكر في الجمال حينما نقرر دور الألوان وشكل الفضاءات في حياتنا  كما نراها عند التخطيط لبناء مدن عصرية تتناغم فيها المساحات الخضراء والشوارع البديعة التخطيط وطراز البناء المعماري الحضاري في هارموني مريح يبعث على السعادة والارتياح ..
وقد حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه مقاليد الحكم على الإسراع بإعادة الجمال للشارع المصري " هتشوفوا مصر تانيه " .. أتذكر عند أولى جولاته التفقدية والمتابعة الدورية للمشاريع العملاقة التي تنجزها دولة 30 يونيو أن أعلن عن دهشته وغضبه عندما رأى من نافذة الطائرة عددًا هائلًا من البيوت والعمارات لم يتم طلائها وترك أصحابها مبانيهم  ( على الطوب الأحمر ) وكانت توجيهاته بالتعجيل بعمل اللازم من تشريعات لازمة والتعامل السريع مع المخالفين بما ييسر القضاء على الظاهرة .. وغير ذلك من متابعات لعلاج كل مظاهر القبح في حياتنا .. شهدنا كباري بمواصفات جمالية رائعة لم تعرفها مصر من قبل ، وترميم وإعادة الوجه التاريخي البديع للأحياء التاريخية ، وتجمعات سكنية رائعة الجمال بديلة للعشوائيات ..
وعليه ، فقد أسعدني المقال الافتتاحي للعدد الأخير لجريدة " القاهرة " للكاتب الصحفي الكبير " عماد الغزالي " الذي ألقى فيه الضوء عن منجزات " جهاز التنسيق الحضاري " المعني بأمر الجمال ونشر قيمه الفنية في البلاد ، أستأذن قارئ جريدتنا الغراء في عرض بعض سطوره البديعة ، والتي لم يقترب منها والاحتفاء بروعتها وسائط الإعلام المصرية ..
يذكر الغزالي " مع نهاية العام ، شهدت مدينة الأقصر افتتاح المرحلة الأولى مع تطوير قرية المعماري الراحل حسن فتحي بالقرنة الجديدة ، وهي القرية التي أنشأها حسن فتحي منذ 70 عامًا اعتمادًا على مواد البيئة المحيطة .كان الهدف هو تأسيس مثال يمكن احتذاؤه في قرى مصر كلها ، حيث يمكن الحصول على سكن جيد بتكلفة بسيطة ، وهو ما اصطلح على تسميته بعمارة الفقراء ، وقد اعتبرت اليونسكو قرية حسن فتحي جزءًا مهمًا من التراث الإنساني العالمي ، فدعمت تجديدها وتطويرها الذي شمل في مرحلته الأولى " الخان " باعتباره منارة ثقافية ومركزًا لتعليم الحرف التراثية ، كما شمل أيضًا المسجد والمسرح ، ربما تكون القرنة الجديدة هي التي لفتت الأنظار إلى الدور المهم الذي يلعبه جهاز التنسيق الحضاري ، كأحد أذرع وزارة الثقافة المهمة في الحفاظ على التراث ، ونشر الإحساس بالجمال وتنمية الذوق الفني بين الناس ..." ..
ويؤكد الغزالي : " الجميل هنا ، وهو أمر ينبغي الانتباه إليه ، أن جهود جهاز التنسيق الحضاري تجاوزت العاصمة إلى الأقاليم ، ومنها مشروع تطوير كورنيش مدينة دهب ، والذي يهدف إلى تحويل مسار ممشى أهل مصر إلى فراغ عام مفتوح ، يتيح رؤية البحر للعابرين من ناحية ، ويظهر الطابع المعماري المميز للمدينة من ناحية ثانية ، وكذلك عمليات تطوير محطة سكك حديد الإسكندرية التراثية ، والتي تقترب من مراحلها النهائية بالتعاون مع وزارة النقل ، إضافة إلى مشضروع آخر لتحسين الصورة البصرية في قلاع سيوة ، وتطوير مسار العائلة المقدسة ، وتطوير كورنيش مدينة بنها ، وميدان المحطة وشارع وساحة السيد البدوي بمدينة طنطا ، وهي جهود ميدانية تجرى بالتوازع مع أنشطة تثقيفية عديدة يقوم بها " التنسيق الحضاري " على مدار العام ، مضافًا إليها رصد المخالفات والتعديات على المباني التراثية في المحروسة ، وتفعيل الضبطية القضائية الممنوحة للجهاز في رصد هذه المخالفات .. " ..
وفي الواقع أن إنجازات ذلك الجهاز وغيره لا يمكن تغطيتها في مقال ، ولكن نناشد الإعلام المصري إلقاء الضوء على كل مشاريع نشر الجمال التي تقوم بها كل أجهزة وزارة الثقافة ، وبشكل خاص من جانب من رفعوا شعار " احنا التليفزيون المصري " ، وهو للأسف الحاضر الغائب في مجال تغطية الفعاليات الإبداعية المعنية بالجمال ، والاكتفاء بالفعاليات الأخرى في تصور بليد بعدم أهميتها مقارنة بغيرها مع أنها ـ لو يعلمون ــ أنها الأهم فهي المعنية ببناء الإنسان .. وإلى حد بتنا نأمل نطالب  بانضمام وتبعية  أجهزة الإعلام لوزارة الثقافة .. لابد أن يدعم تليفزيون بلادي خطط نشر الجمال في مصر ونحن على عتبات " الجمهورية الجديدة " ..