جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الصمت.. يرحمكم الله!

دار سجال حاد في الأيام الأخيرة بين أرملة الإعلامي القدير وائل الإبراشي، رحمه الله، الذي توفى بعد معاناة استمرت قرابة عام نتيجة مضاعفات الإصابة بفيروس كورونا، وفي صفها آخرون من أصدقائه ومعارفه، بينما وقف في الجانب المقابل طبيب متهم بارتكاب جملة من الأخطاء أدت إلى تدهور الحالة والدخول في نفق صحي مظلم انتهى بالوفاة!

بأمانة، لا أستوعب إطلاقاً استسهال الناس الحديث عن المتوفين وتحويلهم إلى مادة للتناحر أو سبب لاكتساب الشهرة، بطريقة تبدو مكشوفة للمشاهد أو القارئ العادي غير المطلع على بواطن الأمور!

إن الحديث عن الأخطاء يكون أكثر صخباً إذا كان الضحية أحد الشخصيات العامة أو من مشاهير المجتمع، لكن في هذه الحالة يجب أن تتدخل الجهات المعنية لسرعة حسم الجدل ووقف انتهاك حرمة الموتى بتحديد مسئولية الطبيب، وإبراء ساحته إذا كانت الاتهامات مرسلة، أو اتخاذ إجراء ضده إذا ثبت تورطه.

لا أحد يختلف على أهمية ونبل مهنة الطب، وحجم المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق الأطباء، لكن هناك جوانب مهمة تستلزم التوضيح لتحديد المسئولية القانونية لكل طرف، خصوصاً في ظل استماتة البعض في الهجوم أو الدفاع دون موضوعية أو أساس قانوني.

هناك مبدأ عام يحدد مسئولية أو التزام الطبيب، وهو بذل العناية الواجبة التي تفرضها عليه أصول مهنته والقواعد العلمية الثابتة لعلاج المريض وتحسين حالته الصحية، وذلك بغض النظر عن النتيجة، فالأساس هو تقديم الرعاية اللازمة ووصف العلاج المناسب للشفاء.

 ولا يتحمل مسئولية النتائج إلا إذا ارتكب خطأ تسبب في أذى للمريض، سواء كان ذلك ناتجاً عن تشخيص خاطئ نجم عنه وصفات طبية وأدوية غير مناسبة، أو إهمال أدى إلى إصابته بعدوى ما، أو غيرها من الأخطاء، فإذا اقترن عمل الطبيب بخطأ سئل عنه!

وما يحدث حالياً يتناقض كلياً مع الأخلاق والقانون، فالجميع يتمادى في إطلاق الاتهامات، وتحولت شاشات التليفزيون ومنصات السوشيال ميديا إلى ساحات للمحاكمة، وهناك معسكر متعاطف يصدق ما يثار حول أخطاء الطبيب وتسببه بشكل مباشر في تدهور الحالة ومن ثم الوفاة، ومعسكر يرى أن هناك تجاوزاً من قبل الطرف الذي يكيل الاتهامات، ومحاولة للتنصل من مسئولية عدم توفير الرعاية اللازمة للإعلامي الخلوق أثناء مرضه. 

وما أود التأكيد عليه أنه من غير الأخلاقي على الإطلاق الخوض في هذه التفاصيل دون دليل، والتشهير بالآخرين عبر شبكات التواصل أو غيرها من المنصات الإعلامية، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون. 

كما أن الآثار الاجتماعية والنفسية المترتبة على التشهير لا تقتصر على الضحايا فقط، بل تتجاوزها إلى أسرهم وكم من بيت هُدم بسبب فضيحة نالت أحد أفراده؟ وكم شخص فقد عمله أو تركه لعدم قدرته على مواجهة زملائه؟ وكم من أطفال عُيروا بأفعال آبائهم التي سربت للعموم؟ وكم مُشهر به تم القضاء ببراءته؟ 

الأصول والأخلاق والقانون في هذه الحالة تحتم الصمت تماماً مراعاة لحرمة المتوفى من جهة، وتفادي التشهير من جهة أخرى، ومن ثم اللجوء إلى الجهات المعنية ببلاغ رسمي يحقق فيه وفق الإجراءات المتبعة، وإذا ثبتت الإدانة يكون هناك حديث آخر.

  • محام بالنقض- مستشار قانوني أول بدبي