جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

كيف تكون مثقفًا نقديًا؟

قلنا إننا جميعًا نولد مثقفين، حيث نرث خصائصنا الثقافية من مجتمعنا دون حول منا ولا قوة، فكلنا نولد فى عرق ما ولغة ما ومذهب ما وطائفة ما، وكذا مسلمات وعقائد وعوائد وتقاليد، نرث كل هذا دون أدنى اختيار منا.

ولكن السؤال: كيف نكون مثقفين واعين حقًا ونستطيع أن ننقد كل هذا نقدًا إيجابيًا، فنأخذ الخير من النسق الثقافى الذى ولدنا فيه، وندع الشر والقبح اللذين وجدناهما وألفناهما، أو على الأقل نعدل الفاسد ليكون صالحًا أو أقل فسادًا، ونحسن النافع حتى يكون أفيد وأجمل لنا وللمجتمع وسياقاته التى وجدنا أنفسنا فيها؟

أكاد أقول إن حصول ذلك مستحيل، أو صعب جدًا دون عملية تكوينية شاقة للوعى والعقل يكون مركزها حركة اجتماعية ثقافية تعليمية تهدف إلى تفجير الإبداع والتفكير الحر فينا جميعًا كبارًا وصغارًا وتظللها وتحميها وتدفعها إرادة تقودها النخبة بكل أشكالها داخل مجتمع ما.

ولكن رغم أهمية دور المجتمع ككل، لاسيما النخبة بأشكالها المختلفة، فإننا لا نغفل دور الفرد فهو الأساس، فالفرد الواعى هو طليعة النخبة التى هى بدورها طليعة المجتمع الإنسانى.

والفرد هو الملجأ والمنجى الوحيد لو غاب دور المجتمع، وغلبت عليه الأفكار الخرافية والرجعية، فابدأ بنفسك فانهها عن خرافتها وتعصباتها ولا إنسانيتها، فإن انتهت عنه فأنت بدأت طريق الحكمة والإنسانية وتحصيل الثقافة النقدية السجالية، وليس الثقافة الصنمية الجامدة التى تقول إنا وجدنا آباءنا على طريق متخلف خرافى، وإنا عليه لحافظون، فتحرير الإنسان لنفسه، أول السبيل لك صديقى وصديقتى لتكون إنسانًا متحضرًا بحق ومثقفًا نقديًا بصدق، وهذا هو أول الطريق للوصول لنخبة أفضل، ومن ثم لمجتمع يسوده قيم الحق والخير والجمال والتفكير العلمى، لا التفكير الخرافى أو التفكير المجرم والإرهابى.

ولن يكون كل ذلك إلا بتكوين العقل النقدى التحليلى الذى ينطلق للمعرفة بمناهج البحث العلمى لا الخرافى والإلمام بالمغالطات المنطقية هذا أولًا.

وثانيًا القراءة المقارنة بشكل علمى موضوعى بين الثقافات البشرية الموجودة والبائدة، وكيفية تشابه التجربة الإنسانية وعدم تطابقها، وأقل القليل هو تحليل ومقارنة الثقافة التى نشأنا بها ونقدها ومقارنتها بالثقافة التى تهيمن على كوكب الإنسان، وهى فى حالتنا بالنسبة للتى نعيش فيها الثقافة العربية الإسلامية، وأما التى تسود على كوكب الإنسان فهى الحضارة الغربية. 

ومن نافلة القول أن أؤكد أهمية الموضوعية والحيادية فى الدراسة، وكذلك التناول العقلانى الإنسانى لكل ذلك وكل الثقافات التى صنعها الإنسان، سواء العربى أو الغربى أو غيرهما، لا تخلو من شر وخير ومن قبح وجمال. 

وأخيرًا وليس آخرًا أقول على المثقف النقدى أن يكون فاعلًا مغيرًا لواقعه الاجتماعى للأفضل، فدون ذلك لا أمل فى تطوير المجتمع الذى نعيش به حتى نلحق بمن سبقنا من أمم وشعوب نحو مجتمع أكثر سعادة وعقلانية وحب، مجتمع يسود به الحق والخير والجمال لا نقيض كل ذلك.