مار بشارة الراعي: عيد الميلاد دعوة لنا ولكلّ إنسان وشعب
وجه البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي، بطريرك المارون رسالته الرعوية لعيد الميلاد المجيد.
وقال مار بشارة الراعي في نص رسالته الرعوية: عيد الميلاد دعوة لنا ولكلّ إنسان وشعب، للإسراع إلى ملاقاة المسيح، من خلال رموز المغارة والشجرة، وفعليًّا بواسطة أسرار الخلاص. إنّه نورنا في ظلمة ليلنا الكثيفة، التي تكتنفنا، وكأنّها من دون فجر يعقبها.
وتابع: يطيب لنا أن نلتقي ككلّ سنة للصلاة وتبادل التهاني القلبيّة بالميلاد المجيد، بمبادرة من مكتبي الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات، ومشاركة السادة المطارنة، وكهنة ورهبان وراهبات، وإنّي أوجّه كلمة شكر لقدس الأب مارون مبارك، الرئيس العامّ لجمعيّة المرسلين اللبنانيّين الموارنة، على الكلمة اللطيفة التي ألقاها باسم المكتبين والحضور، وعلى التهاني والتمنيات التي أعرب عنها باسمهم جميعًا. ويسعدني أن أبادلكم إيّاها مع إخواني السادة المطارنة والأسرة البطريركيّة. ومعكم نقدّمها لأساقفتنا وكهنتنا ورهباننا وراهباتنا وسائر أبناء كنائسنا في النطاق البطريركيّ وبلدان الإنتشار.
وواصل: عيد الميلاد هو عيد نور المسيح الذي يشرق في ظلمات الحياة، لكي يبدّدها. فلنسرع إليه بإيمان رعاة بيت لحم وبساطتهم، لنستنير بشخصه وكلامه وآياته. يسوع هو الفجر بعد ليلنا الطويل. نحن لا نريد بسبب الخطايا وعدم الاكتراث ورتابة الحياة والعادات التي تأسر.
واستكمل: عيد الميلاد هو عيد نشأتنا المسيحيّة، على ما يقول القدّيس البابا لاون الكبير 461):ولادة المسيح هي في الحقيقة منشأ الشعب المسيحيّ فتذكار ميلاد الرأس هو أيضًا تذكار ميلاد الجسد، كلّ عضو بدوره، عند خروجه من حوض المعموديّة. بهذا الميلاد الثاني، يصبح المعمَّد والمعمدّة إنسانًا جديدًا، ومن نسل المخلّص الذي صار إبن البشر، وهكذا نستطيع أن نصير نحن أبناء الله."
وأردف: العالم بحاجة إلى نور المسيح، نور الحقّ، لكي يهتدي إلى المخرج من ظلماته. ليس ميلادُ يسوع عيدًا محصورًا بالمسيحيّين ، بل يَشمُلَ كلَّ إنسانٍ يتوقُ إلى زمنٍ جديدٍ وعهدٍ جديدٍ يَنقلُه من واقعٍ بالٍ ومؤقت إلى رحاب الفرحِ والنجاحِ والإنقاذِ والديمومة. إنَّ اللبنانيّين، بما يُعانون وبما ارتكبوا من خطايا وطنيّة في حقِّ بعضِهم البعض وفي حقِّ وطنهم، معنيّون بهذا الحدث الإلهي والإنساني في آنٍ معًا.
وواصل: أولم تكن ولادةُ دولةِ لبنان، في الأساس، عهدًا جديدًا في هذا الشرق، بفضل ما لها من ميزات وخصوصيّات؟ إن ولادةَ لبنان هي الاستثناءُ الذي كان يَجدُر باللبنانيّين أن يَقترحوه قاعدةً لشعوبِ الشرق الأوسط. لكنّنا لم نعرف قيمةَ هذا الوطنِ النعمة، فشكّكنا به وتَعالَيْنا على النعمة لسنا الشعبَ الوحيدَ الذي اختلف على ماضيه.
واختتم رسالته قائلا: لو كانت المحبّةُ موجودةً في حياتِنا الوطنيّة وفي قلب المسؤولين لما بلغنا ما بلغناه، ولما كان الشعبُ يَرزحُ تحت أكبرِ مأساةٍ في تاريخِه. حبّذا لو يسيرُ المسؤولون بين الناس، ويَطوفون في الشوارع، ويَزورون أحياء المدن والقرى، ويَدخُلون إلى البيوت، ويتكلّمون مع الآباء والأمّهاتِ، ويَستمعون إلى أنينِ الموجوعين، وصراخِ الأطفال، وألآم المرضى، ويَستطلعون عددَ الّذين ينامون من دونِ طعام، وعددِ الّذين يَفتقرون إلى القِرش، وعددِ الّذين لا مأوى لهم، وعددَ الفتياتِ والفتيان الذين لم يُسَجلّوا في المدارس والمعاهد. ولو أنّهم نظروا إلى ما عليهم من مستحقّات تجاه المستشفيات، والمدارس المجّانيّة، والمياتم، والمؤسّسات الإنسانيّة لذوي الحاجات الخاصّة، والمحاكم الروحيّة المسيحيّة منذ سنتيتن وثلاث وأربع، لخجلوا من نفوسهم، واستقالوا من مناصبهم. ولكن رغم كلّ ذلك نرى أهل السلطة غارقين في صراعاتهم ويبحثون عن حيلٍ وتسويات ومساومات للانتقامِ من بعضهم البعض ولإبعاد أخصامهم وتعيين محاسيبهم، والتشاطر في كيفيّة تأجيل الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة عن موعدها الدستوري، لغايات في نفوسهم ضدّ مصلحة لبنان وشعبه.