جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الكباش.. الأقصر والهوية المصرية

الخميس ٢٥ نوفمبر كانت الأقصر قد تزينت واحتفلت بإعادة افتتاح ممر الكباش الذى يربط معبدى الأقصر والكرنك الذى يصل طوله حوالى ٢٧٠٠ متر، وكانت مصر وكان العالم كله قد شاهد هذا الحفل المميز عبر وكالات الأنباء العالمية وتليفزيوناتها، الشىء الذى أعاد الإحساس بالفخر بتاريخ مصر القديم والمتجدد دائمًا وهو ما يطلق عليه بالتاريخ والفرعونى. وكان بالطبع لهذا الاحتفال المميز ردود أفعال محلية وعالمية، فالعالمية كانت إعادة التذكير بالتاريخ والحضارة المصرية القديمة التى بهرت ومازالت تبهر العالم كله، وهذا يمكن أن يسهم فى ازدياد الحركة السياحية لمصر. أما ردود الأفعال المحلية فقد كانت كالعادة فى مثل هذه الاحتفالات، وكما حدث أثناء الاحتفال بنقل مومياوات الملوك والملكات من متحف التحرير إلى متحف الحضارة، فكانت تتمثل فيمن انحاز وبالغ فى الاحتفاء بهذه المناسبة بشكل لم ير فيه فى التاريخ المصرى سوى فى الحقبة التاريخية المصرية القديمة (الفرعونية). وفى المقابل وجدنا من سخف وأهان تلك الحقبة الفرعونية واصفًا إياها بالكفر وعبادة الأوثان، وللأسف كان ذلك على أرضية دينية إسلامية وسياسية عروبية، وكان كلاهما مخطئًا تمامًا وبغير موضوعية علمية ولا تاريخية، ولكن كان كلا الجانبين ينحاز وينطلق من أرضية طائفية لا ترى غير ذاتها، ولا تؤمن بغير ما تعتقد خطأ. فالذين يسقطون كل الحقبات التاريخية اللاحقة بالحقبة الفرعونية والقبطية، ينطلقون من فكر يرفض الآخر الدينى ويعتبره دخيلًا وغازيًا لمصر، ناسين ومتناسين أن هذا القادم بدينه الإسلامى كان قد أمن بهذا الدين الإسلامى المصريين الذين كانوا يدينون بالديانة المصرية القديمة، ثم انتقلوا للديانة المسيحية، ثم ذهبوا إلى الإسلامية، وهم وفى كل الأحوال مصريون، وإذا لم تسقط هنا فكرة القادمين إلى مصر من غير المصريين فهؤلاء بحكم المكان والمكانة والواقع المصرى الذى يصهر القادم فى البوتقة المصرية فهم الآن مصريون، والدلائل الجينية تؤكد ذلك ولكنها الطائفية يا سيدى. مع العلم أن هذه النظرة لا ولن تكون فى صالح مصر التى يتصورون أنهم الملاك الوحيدون لها، حيث إن هذه النظرة وذلك السلوك يعطى المتشددين والمتطرفين من الجانب الآخر الفرصة لتأكيد صحة وجهت نظرهم، التى يستميلون بها المعتدلين والمؤمنين بمصرية كل المصريين. أما الجانب الآخر الذى يعتبر أن الحقبة الفرعونية هى حقبة الكفر والكفرة وعباد الأوثان والأصنام، نقول هذا خطأ كل الخطأ، لأن النظرة والمنطلق والأرضية هى ذات الأرضية التى ترفض الآخر تمامًا، وتعتبر مصر ملكًا لطائفة ولدين بذاته غير دين الآخر، هنا نقول لهؤلاء إن الحقبة الفرعونية يا سادة لم تكن كافرة ولا تعبد الأوثان، فهم أول من عرف الدين والتدين وهم من آمنوا بالله الواحد الأحد، وهم أول من جسدوا الضمير الإنسانى قبل التاريخ بتاريخ.. وما رأيكم: فهل نسيتم أن تاريخ مصر ما قبل الأديان قد ذكر فى العهد القديم (كتاب اليهود) والعهد الجديد (كتاب المسيحيين) والقرآن (كتاب المسلمين)؟ وهل نسيتم أن هذه الأديان قد تحدثت عن مصر وعن الأنبياء الذين ظهروا فى مصر فى هذا العصر الفرعونى الكافر؟ أيها المتعلمون إن مصر قد ذكرت فى القرآن خمس مرات تصريحًا و٣٠ مرة تلميحًا؟ وهل تعلمون أن منها إدريسًا الذى بشر بالسلام والتوحيد، ومصر سميت باسم حفيد نوح نبى الله (مصرايم)، ناهيك عن مرور إبراهيم أبو الآباء بها وقد تزوج هاجر أم إسماعيل (أبو العرب) وتولى يوسف مسئولية خزائن الأرض فيها، وولد وعاش فيها موسى وتعلم وتذهب بحكمة المصريين. إن أولئك وهؤلاء لا يمثلون مصر الوطن الواحد والشعب الواحد والمصير الواحد، المصريون يربطهم تاريخ واحد وعادات وتقاليد واحدة مصرية، والموالد التى يرفضها البعض بحجج من هنا وهناك هى التقاليد والعادات المصرية التى استمرت على مدى التاريخ وستظل منذ الاحتفال بالأوبت الفرعونية والسيدة العذراء ومارجرجس المسيحية والحسين والسيدة زينب الإسلامية. حفظ الله مصر وشعبها العظيم والعريق.