جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«يونيتاد».. متاهة جرائم داعش

    
في متاهات الأزمات والتداعيات السياسية والاقتصادية، ضاعت  مفاهيم ومرتكزات تحقق السلم والأمن، ومع ذلك، ما زال هناك أفق وأمل للعمل الدولي والإنساني للخلاص من أشكال التنظيمات والحركات والمجموعات السلفية والتي تدعي الدين السياسي، وهي باتت على شكل تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية والعديد من الأحزاب والجماعات السلفية التي تغذت من شرايين مشبوهة، بين سوريا والعراق وليبيا واليمن، من هنا فقد جاءت تصريحات رئيس فريق التحقيق بجرائم داعش «يونيتاد». 

 أمام مجلس الأمن، مهمة تثير، أهمية الوقوف عند "نقطة تحول" تغير المسار في تحقيق العدالة، تلك العدالة التي تقع في متاهة الأحداث والأزمات نتيجة تفشي جائحة كوفيد-19، والأزمات الاقتصادية والصحية، التي شتت آفاق سيادة «يونيتاد»، برغم أن مصادر مجلس الأمن أكدت الحاجة لتمديد عمل اللجنة لعام آخر.

محمد حسين بحر العلوم، المندوب العراقي الدائم لدى الأمم المتحدة، كشف عن التوافق الدولي في مجلس الأمن لإقرار عمل جماعي أممي من أجل تعزيز صدور القرار 2597 (2021) المتضمن الموافقة على طلب الحكومة العراقية تمديد ولاية فريق يونيتاد لمدة عام واحد، تنتهي في 17 سبتمبر 2022. 
بعد هذا التمديد، باتت العراق، في طريق يؤدي إلى بذل المزيد من الجهد والاهتمام اللازم لملاحقة المتورطين والداعمين، والممولين لتنظيم داعش الإرهابي ماليًا ولوجستيًا وسيبرانيًا، فضلًا عن جرائم تهريب النفط والآثار التي مارسها التنظيم خلال فترة سيطرته.
رسميًا، دافع " كريستيان ريتشر"- بصفته المستشار الخاص لفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها داعش- عن تقاريره الأولى أمام مجلس الأمن، وهي  محاولة للعمل من خارج الصندوق، بدلالة التقدم الذي أحرز في الأشهر الستة الماضية، بالتعاون مع السلطات العراقية، برغم الأزمات التي تعرضت لها العراق، وصولًا إلى أزمة الانتخابات، وجائحة كورونا، ومحاولة التمكين السياسي والاقتصادي للدولة العراقية، التمكين الذي قادت معالمه الأردن ومصر والجامعة العربية وفرنسا.

 بنوع من تفاؤل لحظي، يلفت "ريتشر" إلى الفرق بين المنجز، والاعتماد، بنجاعة ما سيحدث: "أعتقد أننا نقف عند (نقطة تحول) وربما (لحظة أمل) غير متوقعة".
قبل الوقوع في المتاهة، يلتقط السرائر رائحة متباينة بين الحياة والموت، وهذا يفسر الجدل الفلسفي الأممي، عن الدلالات السياسية والقانونية لمصطلح (نقطة تحول) وحالة التأشير على ما بعد انتهاء عمل اللجنة، وصولًا إلى (لحظة أمل)، أمل الخلاص من داعش. 
 هل الأمر بمنتهى البساطة أمميًا؟

أمميًا، يسعى مجلس الأمن، الجمعية العمومية للأمم المتحدة، إلى  نجاح اللجنة، في الخروج من متاهة سلفية، تتباين شراسة أفعالها بين الخطير الإرهابي، والإرهاب المتطرف، عدا عن الاستفادة من صراعات الشرق والغرب، ودول المنطقة وتحديدًا على خرائط الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا.. إلخ. 
عادي.. أن تقول مصادر «يونيتاد»: من الممكن الآن تصور مشهد جديد تتم فيه محاسبة مجرمين في محكمة قانونية اعتقدوا في السابق أن يد العدالة لن تصل إليهم، وذلك بفضل استخدام التكنولوجيا المتقدمة لبناء ملخصات هيكلية للقضايا وملفات حالة ملخصة ضد أعضاء داعش تربط هؤلاء الأفراد بجرائم دولية معينة.


لمن لا يعرف "كريستيان ريتشر"، فهو  المستشار الخاص ورئيس يونيتاد، الذي أنجز  أول إحاطة له في مجلس الأمن الدولي بسرعة قياسية، أي بعد 60 يومًا من استلام منصبه (...) وخلال هذه المدة تسنت له الفرصة للانخراط مع ناجين، ومع السلطات الوطنية ومنظمات غير حكومية وشركاء دوليين، ومع أعضاء من الفريق في بغداد ودهوك وإربيل، داعمًا "الحالة الأممية" بالقول: "لقد رأيت بنفسي العمل الجاري في جميع أنحاء العراق، بالتعاون مع شركائنا الوطنيين، لتأمين أدلة حيوية قادرة على بناء أساس قانوني شامل لمحاكمات ذات معايير دولية تعكس بشكل كامل طبيعة الجرائم التي ارتكبها داعش ضد المجتمعات العراقية".


المتاهة تنفرج جزئيًا، فقد قدم تطرق "ريتشر"، المخرجات التي تم التوصل إليها في التحقيق بشأن القتل الجماعي للسجناء في سجن بادوش المركزي، ووجد الفريق أن هذه الهجمات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 
 "وقفتُ عند مقبرة جماعية خارج الموصل، تحتوي على رفات ضحايا عمليات الإعدام التي نفذها داعش في سجن بادوش المركزي في يونيو 2014. استمعت إلى القصة التي رواها أحد الناجين والذي كان عليه أن يعيش في هذا الرعب، وأن يتحمل نطاقه وهو يسعى إلى المضي قدمًا في حياته".
إنها سردية" ريتشر"، الموثوقة، التي تنفتح على سرديات سابقة أو لاحقة من مثل طبيعة وقوة ومصداقية "الأدلة الجنائية التي جُمعت من أرض المعركة وأظهرت أن داعش قام بتطوير ونشر الأسلحة الكيميائية وشكل ذلك أولوية استراتيجية تم تنفيذها بما يتماشى مع خطة طويلة الأمد" وذلك بحسب تقرير «يونيتاد» أمام مجلس الأمن الدولي. 
بداية الخروج من المتاهة، وفق اللجنة الأممية، ما أعلن عن تحديد هوية أكثر من 3,000 شخص تأثروا بسبب هجمات داعش الكيميائية، وأشارت السجلات الطبية المحلية إلى الأطفال الذين تم إدخالهم المستشفيات بسبب حروق تؤدي إلى الوفاة وإلى الآثار الصحية طويلة الأمد على المجتمعات".

ووفق المنهج المتبع في لجان مجلس الأمن :"أظهر التحليل الجنائي لأدلة جُمعت من ساحة المعركة أتاحتها لنا السلطات العراقية، أن تطوير ونشر الأسلحة الكيماوية من قبل داعش لم يكن انتهازًا للفرصة بظروف ساعدت على ذلك. لقد كانت أولوية استراتيجية تتماشى مع رؤية طويلة الأمد".

 أخطر مراحل تخطى المتاهة، أن "كريستيان ريتشر"، استغل الـ60 يومًا الماضية،  للكشف  عن العمل الداخلي للإدارة المركزية المسئولة عن جمع وتخزين وإدارة تحركات "بيت المال" الخاص بداعش؛ ذلك  أن الفريق يعمل عن كثب مع السلطات العراقية لدعم محاكمة أولئك المسئولين عن جرائم داعش المالية.
وتُحمّل الأمم المتحدة، داعش مسئولية انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب، كما تتهم منظمة العفو الدولية التنظيم بالتطهير العرقي على "مستوى تاريخي" في شمال العراق.
وفي سياق فكري وسياسي وحضاري، شجبت الزعامات الدينية الإسلامية حول العالم بشكل واسع ممارسات داعش وأفكارها الإرهابية، بأن التنظيم حاد عن الصراط الحق للإسلام وأن ممارساتها لا تعكس تعاليم الدين الحقة أو قيمه، كما وصفوهم بالتكفيريين والخوارج.
المملكة العربية السعودية،  أول من أدرج التنظيم كمنظمة إرهابية ومن ثم الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، والولايات الأمريكية المتحدة، والهند، وإندونيسيا، ودولة الاحتلال الصهيوني إسرائيل، وتركيا، ومصر والأردن وسوريا، وإيران وبلدان أخرى. تشارك أكثر من 60 دولة بشكل مباشر أو غير مباشر في العمليات العسكرية على داعش.

لقد انبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه وبناه أبومصعب الزرقاوي في عام 2004، عندما كان مشاركًا في العمليات العسكرية ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة والحكومات العراقية المتعاقبة في أعقاب غزو العراق عام 2003 خلال 2003-2011 حرب العراق، وذلك جنبًا إلى جنب مع غيرها من الجماعات، التي شكلت متاهة إرهابية تجاوزت الأخضر واليابس، ونهبت الموارد والقدرات. 
 لعل تفعيل ودعم  «يونيتاد».. حلقة مصالحة مع عمل مجلس الأمن، تتيح المساهمة في مكافحة ومنع الإرهاب والتطرف.