جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

جريمة مدمرة وخطر قريب!

"أواجه كارثة حقيقية، ولا أجد لها حلاً" هكذا بدأ حديثه الهاتفي معي بصوت متهدج يحمل نبرة باكية. 

هزني صوته، إذ تربطنا رغم بعد المسافة معرفة قديمة وأصيلة. 

سارعت بسؤاله، كل مشكلة لها حل، ماذا يحدث معك؟

فقال بتردد ملحوظ "لقد صورني أحدهم ويبتزني بمقاطع فيديو وصور عارية ويهددني بنشرها، على العلن إذا لم أدفع له مبلغًا كبيرًا من المال"!

أجبته بحسم دون الخوض في أي تفاصيل، إياك أن تخضع له، إذا دفعت مرة سوف يواصل ابتزازك ويستنزفك ماديًا وفي النهاية لن تطمئن طالما لديه صورك وفيديوهاتك!

الواقعة التي بدأت بها مقالي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة رغم كل حملات التوعية من مخاطر الابتزاز الإلكتروني، فلا يمكنكم مهما شرحت لكم أن تتخيلوا كيف يتلاعب المبتزون نفسيًا بضحاياهم، ويستدرجونهم بطريقة شيطانية، إلى أن يقعوا في الفخ، ثم يحكموا الخناق عليهم حتى يدمروهم نفسيًا، لدرجة قد تدفع إلى الانتحار!

سوف نناقش هذه الظاهرة أكثر من مرة، ومن زوايا عدة لخطورتها، وتنوع أساليبها التي تختلف بحسب نوع الضحية، إذا كان رجلاً أو امرأة، وعمره، إذا كان بالغًا أو مراهقًا!

ودعونا نبدأ بأسلوب شاع في السنوات الأخيرة، وهو ابتزاز الرجال، ويعد من أخطر أنواع هذه الجرائم، نظرًا لأنه يستهدف ضحية يخاف أكثر من غيره من الانكسار والفضيحة، فيقهره المبتز ويذله حتى يخضعه تمامًا!

البداية تكون بطلب صداقة بريء عبر إحدى منصات السوشيال ميديا، ولو كنت حذرًا بطبعك، فمن الطبيعي أن تفحص طالب الصداقة أولاً، وتتأكد ما إذا كان هناك أصدقاء مشتركون بينكما في البداية حتى تطمئن ومن ثم تقبل الطلب.

لكن دعني أخبرك، أن هذا ليس ضمانة على الإطلاق، فالمجرم المحترف يدرس ضحيته لدرجة لا تصدق قبل التودد إليه وإرسال طلب صداقة، فيدخل إلى حسابات أصدقائه، ويضيف عددًا منهم في البداية، ثم يراقب جميع أنشطته على السوشيال ميديا ويحدد اهتمامات الضحية، حتى يجد ثغرة يتسلل إليه منها!

ينتحل المبتز في هذا النوع من الجرائم شخصية شابة جميلة، تكون عادة من إحدى دول المغرب العربي وتعيش في أوروبا، ويستخدم صورة جذابة تخطف الألباب.

وبمجرد قبول طلب الصداقة، يدرك جيدًا أنه اقترب خطوة من ضحيته، لتبدأ بعدها محاولة استدراجه، فيفتح معه حديثًا عاديًا، إلى أن يكسب ثقته ثم يطلب منه الحديث معه عبر الفيديو، وفي لحظة ضعف يحددها خبراء علم الاجتماع ما بين الساعة الثانية والرابعة صباحًا، يقنعه بخلع ملابسه، ثم تأتي الصدمة الكبرى حين يكتشف الضحية أن محدثته رجل وليس امرأة وتبدأ رحلة الابتزاز المريرة.

إياك أن تتخيل عزيزي القارئ، أنك بعيد عن هذا الخطر، فهؤلاء المجرمون على درجة عالية من الحرفية، بل إن  الإنتربول اكتشف بعد عملية ملاحقة دولية شاركت بها أجهزة الأمن بدول عدة أن هناك مراكز لتدريبهم من قبل عصابات منظمة!

وأكثر ضحايا الابتزاز الإلكتروني المستخدمين الجدد للسوشيال ميديا، الذين ليست لديهم خبرة كافية بمخاطرها، ويتم التلاعب بهم بطريقة يعرّفها خبراء علم النفس بـ"الحصول على المقابل" إذ تغرق المرأة الوهمية التي ينتحل المبتز صفتها الرجل المستهدف بكثير من الغزل وعبارات الإعجاب، حتى تعميه عن واقعه، وبمجرد أن تطلب منه خلع ملابسه يستجيب في إطار التعبير عن الإعجاب المتبادل "المقابل" ليقع في الفخ.

والآن كيف نحمي أنفسنا من هذه الجريمة؟

الإجابة بكل بساطة في عبارة واحدة، لا تثق بالغرباء، ولا تتورط في أي علاقة افتراضية، وإياك أن تظهر أمام الطرف الآخر الافتراضي في مشهد تخجل منه!

وإذا حدث وتورط أحدنا في هذا الفخ؟

نصيحتي الحاسمة من واقع خبرة قانونية بهذه المسائل، لا تخضع..

إياك أن تدفع له، لأنك لن تسلم من شره أبدًا، وكل ما عليك هو وقف التواصل معه كليًا. 

جمّد حساباتك على السوشيال ميديا واحجب هاتفك عنه، فلا تسمح له إطلاقًا بالتواصل معك، لأن لديه قائمة كبيرة من الضحايا وهو لا يعرفك شخصيًا حتى يفكر في إيذائك، ووضع نفسه تحت احتمالات المساءلة، إلى أن يمل ويتركك لحالك فتظل فقط أسيرًا لعقدة الذنب والندم..

وللحديث بقية..

  • محامٍ بالنقض – مستشار قانوني أول بدبي