جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بعضهم جدير بكراهية الناس

كان الراحل «حسين صبور» رجلًا عصاميًا، جمعنى معه أكثر من حوار صحفى، وكان ما يقوله خارج التسجيل أهم بكثير مما يقوله داخل التسجيل، روى لى أنه قابل الرئيس مبارك فى بداية موجة صعود رجال الأعمال، وأنه طلب منه أن يشجع زملاءه على التكفل ببناء مستشفى مهم تحتاجه إحدى مدن الدلتا، وأنه أعقب طلبه بأن قال له «الناس بتكرهكم.. أنا حايشهم عنكم»!، بغض النظر عن الهدف من عبارة الرئيس الأسبق، وبغض النظر عن إهمال هذه الجموع أداء واجبها تجاه المجتمع وقتها مما دفع مبارك لتوجيه هذا الإنذار الخشن، وبغض النظر عن أن مياهًا كثيرة جرت فى النهر فى سنوات حكم الرئيس مبارك، وأدت إلى سيطرة مجموعة من رجال الأعمال على خيرات مصر، وتخطيطهم لمزيد من السيطرة عبر مخطط التوريث، وبغض النظر عن أن الأمور سارت فى اتجاه عكسى، بعد تحذير مبارك، فاستولى «بعض» رجال الأعمال على مشاريع عامة، بأثمان بخسة، ثم أعادوا بيعها لشركات أجنبية بأضعاف أضعاف أضعاف ما دفعوه فيها.. إلا أن ما قاله مبارك لرئيس جمعية رجال الأعمال كان الحقيقة، الناس تكره من ارتبطت أسماؤهم بالفساد، والثراء السريع، والسطو على شركات الدولة، أو إفسادها من الداخل حتى تفقد القدرة على المنافسة، يكره الناس الذين تم تربيحهم من مشروعات المعونة الأمريكية، وخصصت لهم مشروعات بالاسم، تكفلت بتحويلهم من أصحاب الآلاف إلى أصحاب آلاف المليارات.. وقد أدرك بعضهم هذا فى سنوات السبعينيات البعيدة، فأخذ فى بناء خطة مضادة، سواء عبر إفساد بعض السياسيين، أو مشاركة ذويهم، أو عبر شراء بعض الإعلاميين، أو عبر مد الجسور مع جهات بعينها فى الغرب مع اتخاذ اللازم حتى لا يحاكم هذا أو ذاك بتهمة التجسس أو العمالة.. أو عبر إسكات صوت مثل أسامة أنور عكاشة مثلًا، والتوقف عن إنتاج مسلسلاته بما يليق بها، لأن رجال أعمال بعينهم، «رجال أمريكا فى مصر» كانوا يتهمونه بأنه يشوه صورتهم فى عيون الناس، ويتهمهم بما ليس فيهم.. لم يكن موقف الناس الذى أدركه مبارك، والذى دفع رجال الأعمال المليارات للحماية منه، ناتجًا عن حقد، أو غيرة، فالمصريون أحبوا كل رجل أعمال شريف، وخرجوا ليودعوا الحاج محمود العربى فى جنازة تاريخية، لأنهم أدركوا أن الرجل عصامى، أضاف للبلد ولم يأخذ منه، نجح بصبر ودأب، كان رجل صناعة، فتح آلاف البيوت، وتبرع بمئات الملايين لفعل الخير.. رغم أن ثروته- وهذا طبيعى- لا تطال ثروات الذين «أكلوها والعة» واستولوا على مصانع ومرافق وشبكات مصر، وراكموا المليارات فى سنوات قليلة، وألقوا فتات الفتات لبعض النخب والإعلاميين ليطبلوا لهم، ويتستروا على فسادهم، واحتكارهم مجالات متعددة.. هؤلاء لا يشعرون بالراحة الآن، لأن مصر عادت لنفسها، ولأن الدولة المصرية لا تسمح بالفساد، ولا تشارك فيه، ولأن السياسة العامة هى تعظيم الموارد، والحفاظ على أصول الدولة، ومضاعفتها.. لا توجد دولة فى العالم يمكن لشخص فيها أن يصبح مليارديرًا خلال عام واحد سوى مصر.. هذا فساد واضح بجميع المعايير.. الذين أثروا من الفساد أدمنوه.. بعضهم يقول لنفسه إذا كنت ربحت مليارًا كل عام فى زمن مبارك فلا بد أن أربح مليارًا كل عام فى زمن السيسى، ينسى أن ما ربحه كان حرامًا، وناتج احتكار وسرقة لمال عام، لا يكتفى بعضهم بعشرات المشاريع التى يشارك فيها، وبهامش ربح معقول جدًا جدًا وبمئات الملايين، لكنه يريد أن «يلهف» البلد بما فيه، ومن فيه، بعضهم لديه حالة سعار حاد.. يدعى الوطنية وهو يمارس نفس ممارسات الخونة، يدعى العداء للإخوان وهو يمارس نفس ممارسات الإخوان.. بعضهم يمارس الابتزاز السياسى.. يطلب مزيدًا من الفرص لنهب المصريين، فإذا رفضت الدولة، خرج ليبتزها فى وسائل الإعلام ويقول إن حريته فى المنافسة منقوصة، بعضهم لا يقدم للناس شيئًا، ويكتفى بحفلات هز الوسط، ومهرجانات العراة، وعندما يسأل عن واجبه تجاه المجتمع يقول كلامًا غامضًا لا يحتوى على معلومة واحدة صحيحة.. مثل هؤلاء