من الحزن والألم إلى الفرحة والأمل
إن الوقوف مع الشعب يمكننا من العمل معا للوصول إلى تحقيق خطوات أكبر ورفع سقف مطالبنا أكثر بدلا من الإحباط واليأس والانعزال. هذه وجهة نظرى التى تحتمل بالطبع الخطأ والصواب. عاش نضال الشعب المصرى.
إنه الشعب المصرى العظيم، يخرج كالمارد الجبار من وسط الهدم والركام متصديا بعزيمته وصلابته لكل التحديات. إنه الشعب المصرى العظيم، صانع الفرح من قلب الأحزان، صانع الأمل من وسط أنين الألم، بانى الديار من وسط الدمار والخراب، متحديا الإرهاب والموت بالغناء بعلو الصوت. إنه الشعب الذى سيروى عنه التاريخ كيف علم العالم فى بدايات القرن الواحد والعشرين دروسا فى الديمقراطية وإرادة الشعوب. دروسا فى التخلص من التبعية والمؤامرة الاستعمارية الأمريكية الصهيونية الإخوانية، القطرية التركية، مع بعض الدول الأوروبية.
هل رأيتم شعبا يخرج ويتزاحم بعد لحظات من الانفجار الذى استهدف مديرية أمن القاهرة صباح يوم 24 يناير؟! هل سمعتم السيدة التى خرجت مسرعة من بيتها وقالت: «أول ما سمعنا الانفجار جيت جرى، ما هو لازم نتطمن على ولادنا، ولازم نبقى معاهم. آه مش هم اللى بيحمونا؟»، هل رأيتم شعبا يخرج بالملايين يوم 25 يناير 2014 متحديا القتل والتهديد والوعيد، مخرجا لسانه لكل من يريد تركيعه أو تخويفه أو ترويعه؟! ملايين من الأسر وكأننا فى يوم عيد، الأطفال الصغار يسيرون على الأرض وعلى وجوههم الابتسامة، وفى أياديهم البالونات على شكل علم مصر، وآخرون محمولون على أعناق آبائهم ويرددون: تحيا مصر.
إنه الإبداع المصرى منذ فجر التاريخ، صدقونى، لو اجتمع علماء الأرض فى علم النفس والاجتماع ما استطاعوا تفسير تصرفات وإبداعات الشعب المصرى. من هنا كان لابد وأن ينزل الرئيس المؤقت، المستشار عدلى منصور، على إرادة الشعب المصرى، الذى خرج فى الاستفتاء على الدستور، وفى 25 يناير ليطالب بانتخابات رئاسية قبل البرلمانية
ومع ازدياد تخوفات الشباب المشروعة من القمع أو الدولة البوليسية طالب رئيس الجمهورية المؤقت النائب العام بسرعة التحقيق مع المقبوض عليهم من الشباب وسرعة الإفراج عمن لم تثبت عليه تهمة، واضعا فى الاعتبار مستقبل هؤلاء الشباب. ومع ازدياد التخوفات بطء العدالة، كانت مطالبة الرئيس بالعدالة الناجزة وعمل دوائر متفرغة لسرعة إصدار الأحكام.
يقول البعض، ويشيع أفراد القوى المضادة للثورة أن التبكير بالانتخابات الرئاسية جاء لمصلحة شخص بعينه هو المشير السيسى، وأن هذا غير دستورى. وأقول لهم أولا: إن المادة 230 فى باب الأحكام الانتقالية لدستور 2014 تتيح لرئيس الجمهورية تحديد أيهما يسبق، الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. ثانيا: إنه لخطورة الأوضاع الأمنية، ومن أجل تقصير المرحلة الانتقالية والإسراع بالمسار الديمقراطى طالبت القوى الوطنية التى تمثل كل فئات الشعب المصرى رئيس الجمهورية عندما التقوا به، بالانتخابات الرئاسية أولا، لم يكن ذلك لشخص بعينه، لأننا أمام نظام ديمقراطى يتم فيه انتخاب الرئيس من بين عدة مرشحين.
ويتخوف البعض الآخر ويشيع أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسى، مع كل هذا الحب الشعبى الجارف، سوف يعيدنا إلى عهد الزعيم الفرد ليصنع منه ديكتاتورا، أو يمكنه من تأسيس نظام عسكرى جديد من كبار أجهزة الدولة. وأقول لهم: هذا معناه أن هذا الرئيس القادم لا يعى أنه جاء بعد دستور تقلصت فيه سلطات الرئيس، وأصبحت سلطات مشتركة مع البرلمان ورئيس والوزراء، بل ويسمح الدستور بمحاسبة الرئيس والوزراء وسحب الثقة وتقديم أى منهم للمحاكمة عند اقترافه جريمة فى حق الشعب والوطن. وأن هذا الرئيس القادم جاء بعد ثورة عظيمة نادت بالحرية والعدالة الاجتماعية وإنهاء التبعية واستقلال الإرادة الوطنية، وأن ملايين الشعب ازداد وعيها ولن تفرط فى حق من حقوقها ولن تعطى شيكا على بياض للرئيس القادم، بل ولن تمهله كثيرا إذا لم يحقق مطالب الشعب والثورة.
والبعض الآخر، وخاصة من الشباب، يتعالى على الشعب المصرى وينعته بصفات سلبية ناسيا أن الشعب بعد قيامه بالثورة ازداد وعيه وازدادت مشاركته عبر أشكال تنظيمية عديدة لتحقيق أحلامه وأمانيه. وأسأل هؤلاء: هل كان من الممكن للطليعة الشعبية والأحزاب والمثقفين، وفى القلب منهم الشباب، تحقيق هذه الثورة العظيمة دون مشاركة الشعب المصرى؟! وأقولها بصدق: من وجهة نظرى أمامنا خياران، إما أن نحترم إرادة هذا الشعب ونثق به ونقف معه ونلعب دورنا فى رفع وعيه وتنظيمه وتعبئته لتحقيق أهداف ثورته، وإما أن ننعزل عنه ونتصور أننا بمعزل عن الجماهير وسنملك الرؤية الصحيحة أو نحقق أهدافنا الاستراتيجية.
إن الوقوف مع الشعب يمكننا من العمل معا للوصول إلى تحقيق خطوات أكبر ورفع سقف مطالبنا أكثر بدلا من الإحباط واليأس والانعزال. هذه وجهة نظرى التى تحتمل بالطبع الخطأ والصواب. عاش نضال الشعب المصرى.
■ الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى