جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«العمل الأول».. مثقفون يروون لــ «الدستور» حكايات وكواليس دخولهم لعالم الإبداع

الكتاب الأول
الكتاب الأول

يعد العمل الأول للكاتب والمبدع، بمثابة الإبن البكر، الفرحة الأولى، وطزاجة البدايات المبكرة المحملة بشغف التجربة الأولي والحلم، حول كواليس الكتاب الأول المنشور، استطلعت "الدستور"آراء عددا من الكتاب والمبدعين.

بداية، قال القاص الكبير أحمد الخميسي، الكتاب الأول في حياتي كان مجموعة قصصية مشتركة بعنوان : " الطيور، الأحلام، الكرنفال" وصدر عام 1967 عن دار الكاتب العربي وهي التسمية القديمة لهيئة الكتاب المصرية، الكتاب كان لثلاثة كتاب شباب في ذلك الوقت أحمد الخميسي، وأحمد هاشم الشريف، وأحمد مؤنس بواقع أربع قصص لكل منا، حينذاك تسلم كل واحد منا 20 جنيها من دار الكاتب وكان ذلك مبلغا ممتازا في تلك السنوات.

-  "مجموعة الأحمدات الثلاث"

وأضاف "الخميسي"،  سبق صدور الكتاب صداقة طويلة ربطتني بالكاتب أحمد هاشم الشريف كنا خلالها نتبادل الأفكار والكتب ومسودات القصص ثم انضم إلينا أحمد مؤنس، و كانت تجمعنا فكرة التجديد الفني والخروج بالقصة من عالمها التقليدي المألوف حتى أننا فكرنا أن نقدم الكتاب بما يشبه "مانفستو" أدبي عن تصورنا للقصة الجديدة لكن لم نفعل للأسف الشديد، ومع صدور الكتاب تناولته أقلام نقدية كثيرة بعنوان تقريبا مشترك هو: "مجموعة الأحمدات الثلاثة"، وكان الشريف قد سبقنا بنشر قصة شهيرة في الأهرام بعنوان: "اللصوص" وفي حينه عندما سألوا نجيب محفوظ عن جيل الشباب لم يذكر سوى اسم أحمد هاشم الشريف الذي تمتع بموهبة ضخمة ولامعة.

واختتم "الخميسي"، بالنسبة لي لم تكن تلك أولى القصص المنشورة فقد سبقتها قصة في مجلة صباح الخير وأخرى في مجلة الكاتب وغيرها، وضم الكتاب على ما أذكر كل تلك القصص الآن أندم على نشر واحدة من تلك القصص، فقد كانت موغلة في الذاتية، و فيما بعد عمل أحمد هاشم في الصحافة بمجلة روز اليوسف والتهم العمل الصحفي جهده بينما اختفى الأخ مؤنس تماما ، وتوقفت أنا أيضا فترة عن كتابة القصة إلى أن عدت إليها، الآن حين أتذكر ذلك الكتاب لا أفكر في إعادة نشره بالطبع لكن ذكرياته تبعث في صدري أنفاس الشباب والأحلام والتمرد وحتى السذاجة الجريئة الحالمة.

محمد العون: أعدت كتابة بعض قصصي مرة أخرى حتى خرجت بشكل يرضيني

وبدوره قال الروائي محمد العون، أول كتاب لى كان مجموعة قصصية، بعنوان "الملك ينزل المدينة"، كنت بدأت نشر القصص فى الصحف والمجلات قبلها بعشر سنوات تقريبا، وعندما فكرت في إصدار كتاب، اخترت عددا من القصص المنشورة مع قصص أخرى طويلة غير منشورة ( قصة الملك ينزل المدينة لم تنشر في الصحف نظرا لطولها فهى أقرب للنوفيلا)

وأوضح "العون": وهذه القصص التي صدرت فى أول كتاب كانت بالفعل من أول ما كتبت. لكن الكتاب الأول أو المجموعة القصصية لم تستوعب كل القصص التي كتبتها في تلك الفترة، لذلك أصدرت الكتاب الثاني - "خيانة الجسد" - والتي تضم هذه القصص.

وعن فكرة نشر الكتابات السابقة علي النشر الأول أوضح "العون": بالنسبة للكتابات المبكرة عموما، راجعتها في وقتها، وما وجدته ضعيفا ولم أرض عنه، تخلصت منه (مزقت تلك الأوراق ) وأعدت كتابتها مرة أخرى حتى خرجت بشكل يرضيني.

ــ صفاء عبد المنعم: أول كتاب نشرته كان تبرع من زميل لي


ومن جهتها قالت الكاتبة صفاء عبد المنعم: أول كتاب صدر لى كان مجموعة قصصية مشتركة نشرت عام 1984 بها أربع قصص لى، وكذلك زميلي، بدأت الفكرة عندما كنت فى رحلة إلى أسوان تابعة لمركز شباب المنشية الجديدة بشبرا الخيمة عام 1984.

-  مجموعة قصصية مشتركة مع عماد شندي

وفى يوم أقمنا ندوة، وقرأت قصة "يوم عاصف" والتى نشرت ضمن قصص المجموعة، وسألنى بعض الحاضرين أن كان هناك مجموعة قصصية لى، كانت الفكرة لم تخطر على بال بعد، لأنه ليس لدى رصيد كاف من القصص، وعندما عدت إلى القاهرة اتفقت مع زميلى عماد شندي في عمل مجموعة قصصية مشتركة، وكان اسمها حكايات الليل، وقامت بتصميم الغلاف لنا صديقة اسمها نهلة، ودفع كل منا تقريبا ١15جنيها، وتبرع لنا زميل لي بمبلغ.وطبعت المجموعة بتكلفة حوالى 35 جنيها، 500 نسخة، كل واحد منا أخذ 250 نسخة وزعها على الأصدقاء.

الجميل أن هذه المجموعة نوقشت فى أماكن وندوات كثيرة فى جميع مراكز الشباب بشبرا الخيمة، وأقيمت ندوة فى قصر ثقافة شبرا الخيمة، ناقشها كل من الأستاذ محمد السيد عيد، ومعه الأستاذ عبد العال الحمامصى، ومجموعة نقاد.
كما نوقشت فى برنامج مع الأدباء الشبان على البرنامج العام والذى كانت تقدمه الأستاذة هدى العجيمى وناقشها الناقد الكبير الأستاذ محمد السيد عيد، الحقيقة كنت لا أملك إلا هؤلاء الأربع قصص، وأتمنى أن يتم طباعتها مرة أخرى رغم تجاوز التجربة، ولكن القصص كانت مبشرة وواعدة خاصة قصة يوم عاصف، أول قصة كتبتها فى حياتى عام 1983، وهي أول قصة في المجموعة.

ــ الغربي عمران: أول كتاب نشر لي من دمشق عن اتحاد الأدباء العرب

وبدوره قال الروائي اليمني الغربي عمران، بداية كنت أكتب المقالة السياسية والاجتماعية، أرسم، لكني لم أجد نفسي في ذلك، لتجذبني قصة كتبها صديقي أحمد عايض عمران، تلك القصة عن مجتمع قريتي وعن شخصية نسائية عاشت في غربة وسط مجتمع وفدت إليه من قرية بعيدة لا يعرف لها موقعا، حين جسد أحمد تلك الشخصية ومعاناتها شوقني لأن أكتب قصة عن شخصيات أعرفها ومجتمع الريف اليمني، وبذلك ولد أول نص قصصي ثم تلاه نصوص لتصدر أول مجموعاتي القصصية "الشراشف"من دمشق عن اتحاد الأدباء العرب.

كان ذلك أول إصدار لي، لأصدر بعدها خمس مجاميع قصصية، لكنني هجرت القصة بعد أن وجدت أنني لم أقدم الجديد، لأكتب أول رواية "مصحف أحمر" التي صدرت من بيروت دار نجيب الريس 2010.

ــ خالد إسماعيل: كتابي الأول ظل مركونا على رف عاما ونصف العام وحركته وساطة

ومن جانبه قال الروائي خالد إسماعيل،  كتابى الأول "درب النصارى" نشر فى مايو 1997، ضمن سلسلة "إبداعات" وكان رقمه "31" فى ترتيب الكتب التى صدرت عن السلسلة، وكان المسؤول عن هذه الخطوة الشاعر والكاتب الصحفى يوسف وهيب، هو من حمل مشكورا الكتاب وسلمه للراحل سيد عبد الخالق  سكرتير تحرير السلسلة فى هيئة قصور الثقافة، لكن الكتاب نشر وعليه أسماء المبدعين فؤاد قنديل رئيسا لتحرير السلسلة، ومحمود حامد عبدالعظيم مديرا للتحرير، وصادق شرشر سكرتيرا للتحرير، وظل مركونا على رف السلسلة عاما ونصف العام وحركته وساطة من الصحفى أشرف مفيد بالأهرام، والصحفى الراحل مجدى حسنين بالأهالي رحمه الله، والصحفيين النبيلين تكلما بخصوص كتابي مع حسين مهران  رئيس الهيئة رحمه الله، ووافق الشاعر الراحل محمد كشيك مسئول النشر بالهيئة على نشر الكتاب "حتى يرتاح من وجع الدماغ"، لكن فؤاد قنديل خاف من عنوان الكتاب، بالتحديد من كلمة "النصارى" وكتب صادق شرشر ومحمود حامد تعهدين بأنهما يكونان مسؤولين عن أية تبعات تترتب على النشر، وكانت جماعات الإرهاب نشيطة فى الصعيد والفتنة الطائفية كانت الهاجس الذى يطارد الجميع، ولكن صدر الكتاب، ولقي قبولا من جانب المبدعين، وقبضت مبلغ 200 جنيه مكافأة من هيئة قصور الثقافة. 

 وأضاف وتسبب الكتاب فى أزمة كبرى فى قريتى "كوم العرب"، وغضب الأهل من القصص التى تضمنت أسماء أماكن وتواريخ شهدتها القرية، وانقطعت علاقتى بالنشر الحكومى بعد هذا الكتاب حتى يومنا هذا، وكتب عنه ثلاثة من النقاد والصحفيين سعيد الشحات في الدستور فى الإصدار الأول، وسليمان شفيق فى الأهالى، وحسين عبدالعليم  الروائى الراحل فى الأسبوع، وظل السؤال الذى يطاردني "هوه إنت خالد إسماعيل بتاع درب النصارى؟" لأننى نشرت الكتاب ولم أكن نشرت قصصا منه في الصحف غير قصتين فى "الكشكول" الملحق الأدبى الشهري لجريدة الأهالي في عهد الراحل عبد العال الباقوري رئيس التحرير وإشراف الراحل الشاعر حلمى سالم .

ــ عبد الرحمن الخضر: كتابي الأول ضاع مني


ومن جانبه قال الروائي اليمني عبد الرحمن الخضر، كتابي الأول، أين هو كتابي الأول الذي خططته بأصابعي هذه؟ كمن أبحث في شكل من سحابة هي كتابي الأول، لكن السحابة لاتقف على شكل أول أبدا. هناك كتاب أول سقط، وهذا كتاب يأتي سنسميه الأول، لأنه هو ما بين أيدينا.

لعل هذا الأول هو الأخير، لكنه أتى الآن على تقنية المونتاج، فيما الأول سيأتي كتصوير أخير. أظنها هكذا هي مسيرة كتاباتنا، وعلينا أخيرا أن نرتبها ليس وفق الأزمنة التي كتبناها، وليست على طريقة المكية والمدنية، بل على طريقة المخرج الذي سيرتب كل شيء وفق مساره الدرامي، والحبكة هنا ستكون تشبيكا بين كتاباتنا كلها، لنتمكن من القول: إنه ذلك الكاتب.

هناك كتاب أول ضاع مني، لم أطبعه بمقدار دفتر فلوسكاب، عندما حاولت إعادة الكتابة  لم أتمكن هنا من جمع الرميم ثانية، كنت فعلا أحتفظ بالفكرة، بالمادة، لكن الشكل لم يكن ذاته، لم يكن الإنسان هو ذاك الذي ينطق ويفكر، لقد أتيت بشبيه بشكل كالنياندرتال، إنسان أول غير عاقل.

وحاولت ثانية أخرى، لكن القلم كان شبيها بتلك الخلية السرطانية التي لم تكن على سواء مع الخلايا الأصلية للكتاب فترهّل هنا وجفّ هناك، واستأصلته أخيرا أو أنني حسبته ذلك الكائن الذي كان على فرصة سانحة بين ذكر وأنثى وسيأتي منهما لكن هذا لم يزج تلك، لقد زاح القلم "هذا الذكر أو هو الأنثى" شريكا آخر ليأتي كتاب أول مختلفا به بعض من صاحب القلم، وبعض من أم أخرى غيرها أمه الكتاب الأول، هل ذاك هو كتابي الأول؟ هل سألقاه يوم القيامة وأفاجأ به هناك، متى هي قيامة الكتابات؟

كتابي الأول الذي سنراه على قيد الحياة مخلوقا كامل الأوصاف، هي مجموعتي القصصية:، "سنكتب غدا" طبعت عام 2003 ضمن إصدارات دار عبادي للنشر والتوزيع بصنعاء، هي تلك الكتابة الأولى التي تمتلك القدرة على الاستدامة والبقاء، إنها تمتلك صفة من مسمّاي "الخضر" هذا الذي سيبقى حيّا إلى يوم النشور، الكاتب لا يلفظ حرفه الأخير كما يفعل هؤلاء الذين يموتون.