جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الموت السريع».. «الدستور» تكشف خطورة حبوب الغلال على حياة المواطنين

حبوب الغلال
حبوب الغلال

أزمة نفسية حادة، لم يقوى على تجاوزها شاب يُدعى يوسف كمال، ليقرر التخلص من حياته عن طريق استخدام حبوب الغلال، والتي سبق وأُصدر تحذيرات كثيرة بشأنها، إذ تحتوي مادة كيميائية يجب أن تُستعمل بحذر شديد حتى لا تتسبب في وقوع حالات التسمم والوفيات بسبب استعمال «فوسفيد الألمنيوم»، بالإضافة إلى معرفة كيفية تجنب أضراره والوقاية منه، فهو مثالي للقضاء على الحشرات دون التأثير على حيوية النباتات أو بذورها، ما يؤدي إلى استخدامه في الأغراض الزراعية.

بحسب رواية صديق «يوسف» فإنه لم يقدر على تحمل كل تلك التراكمات، حيث انتهى به الحال وهو منتحرًا باستخدام حبوب الغلة.

حبوب الغلة تنهي حياة طفلة في الخامسة عشر للهروب من «الديون»

في سياق متصل، وبعد ساعات قليلة من أذان المغرب، استقبلت المستشفى الحكومي في إحدى قرى محافظة المنوفية، في الرابع من مايو الجاري فتاة تدعى «إ.ن.م"، تبلغ من العمر 15 عامًا، برقة زويها في محاولة لإنقاذها بعد أن قررت التخلص من حياتها بتناول حبوب الغلال.

دقت الساعة السادسة والنصف، وأذنت المساجد لصلاة المغرب، في كافة أنحاء القرية التابعة لمحافظة المنوفية، معلنة انتهاء ساعات الصيام، لتكسر الفتاة الصغيرة صيامها على حبة تخزين الغلة التي تدسها الأسرة بعيدًا عن متناول الصغار، لما تحتويه من سم قاتل.

كانت «إ.ن»، قد شاركت عدد من صديقتها بالمدرسة في "جمعية" قامت هي بالإشراف عليها وجمع أموالها، وقبل اليوم المشهود بأسبوع اختفى المبلغ الذي هو بحسب أحد جيرانها أربعة آلاف جنيه، وهو رقم كبير بالنسبة لمن هم في سنها وقريتها، أمهلتها صديقتها مدة أسبوع لإعادة المبلغ أو إخبار أهلها، فماكان منها عندما انتهت المدة إلا أن تناولت الحبة للتخلص من هذا الحمل الثقيل.

تقول شاهدة عيان، إن الأم لم تستطع تحديد ما إذا كانت الفتاة تريد الموت على وجه التحديد أم أنها أردات الحصول على بعض مظاهر الإعياء أثناء الاعتراف بضياع المبلغ منها تجنبًا لعقاب سأهلها، ما يرجح حقيقة ذلك أنها ما إن وجدت نفسها في حالة إعياء شديدة اعترفت لوالدتها التي اصطحبها إلى المستشفى على الفور، ولكن دون جدوى.

فتاة في الثالثة عشر تحاول الانتحار مرتين وتنجح في الثالثة باستخدام حبوب الغلة

ومن المنوفية إلى أسيوط وبالتحديد قرية الوعاضلة التابعة لمركز صدفا، تواصلت «الدستور»، مع «محمود. ب»، شاب في منتصف العشرينات يسكن بالقرب من منزل «ي. أ. س»، الفتاة التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة، كان لتوه وصل من القاهرة إلى قريته في أول إبريل الماضي؛ ليسمع بنبأ وفاة الفتاة الصغيرة التي تتجاوز مرحلة الإعدادية بعد.

المعلومات حول الفتاة أخذت تنتشر كالنار في الهشيم لفجاجة الحادثة وقربها من الجميع، فهم ليسوا من أبناء المدن الذين تنتهي بين جدران منزلهم الحدث في لحظته، لكن وجودهم في القرية جعل من السهل على الشباب العشريني، أن يعرف أن هذه ليست المرة الأولى التي حاولت فيها الفتاة الصغيرة الانتحار، وإنما هي الثالثة، ولكن اختلفت الوسيلة، ففي المرتين السابقتين استخدمت أقراص لوالدتها لم تبلغ بهم الموت فكانوا ينقظونها في كل مرة عن طريق غسيل المعدة.

وفي المرة الأخيرة تناولت حبات الغلة التي وصلت إلى منزلهم للتو، استعدادًا لموسم الغلة وللتخلص من الحشرات السامة، فما كان من الفتاة التي تمر بأزمة نفسية بحسب رواية الشاب، أن تناولت حبة من تلك الحبوب المخصصة للغلة وفارقت الحياة على الفور.

أعلن مركز علاج التسمم والإدمان بمستشفيات جامعة المنوفية في بيان رسمي أنه استقبل 24 حالة تسمم بتناول حبة الغلة السامة خلال شهر فبراير «13 إناثاً و11 ذكورًا» من مراكز المحافظة. 

وطبقاً للمركز، فإن 116 حالة توفوا خلال العام 2019 بسبب حبة الغلة التي تحتوي على 3 أضعاف الجرعة المميتة من فوسفيد الألمنيوم.

حبوب الغلال

ما هي حبة الغلة؟

حبوب الغلال تُستخدم كمبيد حشري، من أجل حفظ الغلال المختلفة من التسوس، وهي شديدة الخطورة على الإنسان لدى لمسها أو استنشاقها أو تناولها.

مُدون على عبوة حبوب الغلال أنها من مادة عالية السم، كما أنها موجودة في 18 منتجًا بأسماء تجارية مختلفة، إلا أن تركيبها واستخدامها واحد في حفظ الغلال والحبوب.

تحتوي  حبة الغلة على نسبة كبيرة من مادة «زينك فوسفيد»، ومسجلة بـ 3 أسماء تجارية لها نفس تركيب حبة الغلة، وهي يكوفيوم %100 غاز تبخير ومسجل تحت رقم 1463، ومبيد فوسفيد زنك النصر ومسجل تحت رقم 102، ومبيد راتول ومسجل تحت رقم 1456.

حبوب الغلال

 

يمكن استبدالها بأجهزة إلكترونية

وفي ذات السياق، قال محمد عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم، إن حبوب الغلة التي يستخدمها المزارع للقضاء على الفئران وماشابه من الحشرات التي من الممكن أن تفتك بالمحصول، هي من أضعف المبيدات وهناك ماهو أكثر خطورة يجب أن تضع هي الأخرى في قائمة المبيدات الخطرة التي يحذر التعامل معها دون رقابة.

وأضاف مؤسس المركز القمومي للسموم، في تصريح خاص لـ«الدستور»، أن حبة واحدة لايمكن لها أن تنهي حياة الشخص إلا في حالات ضيقة جدًا إذ لابد أن يتناول الشخص أكثر من حبة حتى ينهي حياته، ولعلم المنتحر المسبق بماهية عمل هذه الحبات، ومدى قدرتها على القتل السريع إذا ما حصل عليها الانسان مباشرة فإنه يقصدها فور مرورة بأزمة أو لحظات ضعف لأنها متواجدة طوال الوقت أمامه في المنزل.

وأكد على ضرورة التعامل مع هذه المبيدات وغيرها بحظر شديد، فهي يتم بدرها في الغلال من أجل جذب الحشرات كالفئران وتفرز على الفور غازات داخل معدة الفجر تشبه انفجار بلونة ضخمة تؤدي لوفاته على الفور، ومن ثم يجب ألا يحصل الفلاح عليها في غير موسم القمح، ويحرص كل الحرص على ألا تكون متواجدة في متناول الأيدي خاصة الأطفال ويغلق عليها بالمفاتيح، بالإضافة إلى ضرورة عدم أقتناء أكثر مما يحتاجه الفلاح لكي لا يكون هناك فائض ربما يقضي علي حياة شخص بالقصد أو على سبيل الخطأ، طالما أنه ليس هناك سبيلًا غيرها.

وأشار «عمرو»، إلى وجود عدد كبير من الدول خارج مصر توقفت بالفعل عن استخدام حبوب الغلة في القضاء على الحشرات وحفظ المحصول، واتجهت إلى الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تصدر ذبذبات تدخل إلى الجهاز العصبي للحشرات كالفئران مثلا، وتشلل حركته وتؤدي إلى وفاته على الفور، الأمر ذاته التي تقوم به الحبة ولكن من غير احتمالات لوفاة أطفال ومراهقين، ومن ثم يجب أن يتم استحداث هذه المنظومة في مصر، للتخلص من حبوب الغلة والتي يبلغ ضررها أكبر من نفعها.

الزراعة: التوعية أبرز أسلحة الوزارة

الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، أوضح أن خطر المبيدات الحشرية يكمن في الاستخدام الخاطئ له من قبل الأشخاص، فالأمر ليس مقتصرًا فقط على حبوب الغلال القاتلة وإنما جميع المبيدات الحشرية التي تستخدم لحفظ الغلات والمحاصيل الزراعية: «لابد من توخي الحذر أثناء استخدامها حتى لا يقع أي ضرر على الأشخاص».

دورات تدريبية

وتنظم مديريات وزارة الزراعة ندوات ودورات تدريبية حول الاستخدام الأمثل وطرق التعامل مع المبيدات الحشرية، هكذا كشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة عن حلول وزارة الزراعة في مواجهة استخدام حبة الغلة في الانتحار، بالإضافة إلى التوعية بشأن خطورة تلك المبيدات وكيفية استخدامها لحفظ الغلال فقط.

كما أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة أن قبيل استيراد أية أنواع جديدة سواءً من التقاوي أو المبيدات الحشرية، فيتم فحصها جيدًا من قبل الحجر الزراعي ومدي توافقها مع المعايير والاشتراطات قبل دخولها إلى الأسواق.