جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

..وانتهى «مسلسل» الطوارئ

الثلاثاء المقبل، ٢ نوفمبر، تمر ١٠٧ سنوات على قيام الجنرال جون مكسويل، قائد الجيوش البريطانية فى مصر، بفرض «الأحكام العرفية». وتصادف أن يكون الإثنين المقبل، هو الذكرى الـ٦٥، لصدور القرار الجمهورى رقم ٣٢٩ لسنة ١٩٥٦، وظهور مصطلح «حالة الطوارئ» لأول مرة، فى مصر. وشاءت إرادة المصريين، قيادةً وشعبًا، أن نودّع، أمس الأول الإثنين، المصطلحين، و«نحن نمضى بثبات نحو بناء الجمهورية الجديدة مستعينين بعون الله ودعمه».

بين ظهور المصطلحين، أتاحت المادة رقم ٤٥ من أول وثيقة دستورية مصرية، دستور ١٩٢٣، للملك إعلان الأحكام العرفية. و«بما أن المصلحة تدعو إلى وضع قانون يتضمن القواعد العامة التى يجب العمل بها فى حالة إعلان الأحكام العرفية»، صدر الـ«قانون نمرة ١٥ لسنة ١٩٢٣»، الذى نصت مادته الأولى على أنه «يجوز إعلان الأحكام العرفية كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى الأراضى المصرية أو فى جهة منها للخطر، سواء كان ذلك بسبب إغارة قوات العدو المسلحة أو بسبب وقوع اضطرابات داخلية».

هذا القانون تم تعديله، بالقوانين رقم ٢٣ لسنة ١٩٤٠ و٢١ لسنة ١٩٤١ و٨١ لسنة ١٩٤٤ و٧٣ لسنة ١٩٤٨ و٥٩ لسنة ١٩٤٩، وبعد ثورة ٢٣ يوليو صدر القانون رقم ١٥٤ لسنة ١٩٥٣، ثم صدر القانون رقم ٥٣٣ لسنة ١٩٥٤، بشأن الأحكام العرفية، الذى تم تعديله بالقانون رقم ٤١٤ لسنة ١٩٥٥، وبالاسم الجديد صدر قانون حالة الطوارئ رقم ١٦٢ لسنة ١٩٥٨، ومن هنا بدأت رحلتنا مع هذا القانون، التى استمرت حتى أمس الأول الإثنين.

الحلقة الأحدث فى مسلسل «حالة الطوارئ» بدأت فى أبريل ٢٠١٧، عقب الهجومين الإرهابيين اللذين استهدفا كنيستين، ولـ١٧ مرة، تم تجديدها، مع ترك فواصل زمنية قصيرة لتلافى مخالفة الدستور: دستور ٢٠١٤ الذى نصت مادته رقم ١٥٤ على أن يكون إعلانها لمدة محددة، لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثى عدد أعضاء مجلس النواب.

ربنا وضع «الطوارئ» فى القرآن الكريم، كما قال أحمد مكى، وزير عدل الإخوان، فى حوار شهير نشرته جريدة «المصرى اليوم» فى ٩ سبتمبر ٢٠١٢، أكد فيه أيضًا أنه «لا يوجد بلد خالٍ من الطوارئ فى العالم بما فى ذلك كل الدول المتقدمة». وبغض النظر عن إقحام المذكور لـ«القرآن الكريم» فى الموضوع، فإن فرض حالة الطوارئ، أقرته المادة الرابعة من «العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، التى أجازت للدول الأطراف أن تتخذ تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد. وحدث، مثلًا، أن قامت فرنسا، بـ«إعلان حالة الطوارئ، وإغلاق الحدود، وتحذير المواطنين من مغادرة منازلهم، وإعلان التعبئة العامة»، بعد الهجمات الإرهابية التى شهدتها العاصمة باريس فى ١٣ نوفمبر ٢٠١٥، واتخذت بلجيكا إجراءات شبيهة فى مارس ٢٠١٦، بعد تفجيرات بروكسل. 

الأحكام العرفية أو الطوارئ هى قوانين استثنائية تتيح للسلطات التصرف بما تراه مناسبًا لـ«فرض الأمن والنظام فى البلاد». وهناك تدابير جديدة استحدثتها التعديلات، التى نشرتها الجريدة الرسمية، فى ٧ مايو الماضى، والتى أتاحت لرئيس الجمهورية، أو من يفوضه، اتخاذها كلها أو بعضها لمواجهة وباء «كورونا المستجد»، من بينها إلزام بعض أو كل المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل، بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية بصفة عامة، أو لحالات مرضية مشتبه فى إصابتها بأمراض محددة، تحت الإشراف الكامل للجهة الإدارية، التى أتاح لها القانون تحديد أحكام التشغيل والإدارة، والاشتراطات والإجراءات التى يتعين الالتزام بها، ووضع آليات مراقبة تنفيذها.

الخلاصة هى أن مصر عرفت القوانين الاستثنائية، باسمها القديم «الأحكام العرفية»، حين تم توريطها فى الحرب العالمية الأولى، وعرفتها باسمها الحالى «حالة الطوارئ» بعد العدوان الثلاثى، وتحت الاسمين، تحوّل الاستثناء إلى قاعدة، عشنا فى ظلها ١٠٠ سنة تقريبًا، من الـ١٠٧، وصولًا إلى الحلقة الأخيرة، التى قرر فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى عدم تجديد الاستثناء أو تمديده، بعد أن «باتت مصر، بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار فى المنطقة».