جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

وداعًا للوهابية

منذ فترة فاجأنا الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية بقراره الجرىء بإسقاط جميع أحاديث الآحاد المتداولة منذ ما يزيد على الألف عام، وينص القرار أن تلك الأحاديث غير ملزمة حتي لو وردت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما باعتبارها غير قطعية الثبوت، ويدعو القرار للالتزام بالقرآن الكريم والأحاديث المتواترة وحدها دون غيرها.
الحديث المتواتر هو الحديث الذي روته جماعة عن جماعة عن جماعة وعددها لا يتجاوز المائة حديث صحيح، أما حديث الآحاد فهو الذي رواه فرد عن فرد عن فرد وهو بالآلاف ويمثل أكثر من ٩٩٪‏ من أحاديث الصحاح.
القرار يخرجنا من مرويات البشر إلي كلام رب البشر سبحانه وتعالي ويعيد الأمل في تصحيح وتجديد الخطاب الديني ليعلمنا كلمات الله التامات وحديث رسوله الكريم (ص) بعيدًا عن أي مهاترات واجتهادات، وهو قفزة عملاقة في الإصلاح تمهيدًا لإنهاء الوهابية والمرجعية الحنبلية في التشريع الديني.
بالطبع سيلاقي هذا الفكر التنويري مقاومة خفية من جيوب الفكر السلفي المتطرف، لكنها خطوة رائعة بدأت بشائرها تظهر عندنا، ووصلت لأزهرنا الشريف بنفس قوة وصول الوهابية إليه في الماضي القريب.
التفاؤل يغمرني خاصة بعد فتوي الأزهر الأخيرة بالسماح للمرأة اعتلاء منصة القضاء كقاضية لأول مرة في مصر وسلكها القصائي.
فقد ذهب جمهور العلماء قديمًا إلي عدم تولي المرأة القضاء والوزارة، واستدل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث علي قولهم بأدلة عديدة، منها أن النبي عليه أفضل السلام لم يول هو أو أحد خلفائه من بعدهم امراة قضاء أو ولاية بلد، ومنها أيضًا قول الله تعالي (الرجال قوامون علي النساء) فكيف تحكم امرأة علي رجل هو يعلوها في القوامة؟
كذلك قول النبي (ص) في حديث (آحاد) لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
الوحيد الذي أجاز للمرأة أن تعمل قاضية هو الإمام أبوحنيفة مع وضع بعض الشروط والتحفظات القاسية مثل منعها من الحكم في القصاص والحدود.
لما سبق فإن فتوي الأزهر الشريف بجواز تولي المرأة منصة القضاء كان بمثابه انفراجة رائعة في الفكر  وقفزة تنويرية سيتلوها قفزات، وجاءت تلك الفتوي بعد طلب السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي انضمام النساء إلي مجلس الدولة والنيابة العامة اللتين كانتا حكرًا علي الرجال حتي وقت قريب، وكان مجلس الدولة قد رفض مرارًا تعيين القاضيات وقامت العديد منهن بالطعن دون جدوي.
بعد فتوي الأزهر الشريف انضم لمجلس الدولة ٩٨ سيدة ليصبحن أول قاضيات منصة وأدين اليمين أمام السيد محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة.
شكرًا للأزهر وشكرًا للسيد الرئيس والقادم أحسن بإذن الله.