جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الأسواق الشعبية أمام المدارس.. «شباك» لجرائم الخطف والتحرش والإدمان

أسواق بمحيط المدارس
أسواق بمحيط المدارس

فرضت الأسواق الشعبية التي حاصرت عددًا من المدارس بجميع مراحلها، حالة من القلق والرعب لدى أولياء الأمور بعد سماعهم عن حالات الخطف والضياع المتكررة التي وقعت لعدد من الطلبة خاصة الصغار منهم في ظل انتشار العديد من الباعة الجائلين مجهولي الهوية بتلك الأسواق.

"الدستور" تفتح ملف حصار عددًا من المدارس بالأسواق الشعبية وما تمثله من خطر داهم على الطلبة خاصة الصغار. 

كادت “م.ح” إحدى أولياء الأمور أن تفقد ابنتها “جنى” التي لم تبلغ عامها السابع بعد؛ إلى الأبد، وذلك بسبب التكدس الكبير الناتج عن نقل أحد الأسواق الخاصة ببيع الأثاث أمام المدرسة، بالإضافة إلى الانتشار الكبير للباعة الجائلين المصاحب لهذا السوق، والذين يستغلون خروج الطلبة ليزداد نشاطهم.

بدأ الأمر حينما تأخر عودة حافلة المدرسة التي تقل “جنى” منها إلى البيت عن الموعد المعتاد،  والذي اعتادت الأم أن تنتظره بشوق فطري لاستقبال ابنتها بعد يوم دراسي طويل.

تحول التأخر من دقائق إلى ساعات وكاد قلب أمها معه أن ينخلع بسبب القلق والخوف على الابنة لتبدأ بإجراء سيلًا من الاتصالات على المشرفة بغية معرفة سبب التأخر؛ إلا أن مازاد من اعتصار قلب الأم أن وجدت هاتف المشرفة خارج نطاق الخدمة، لتبدأ الظنون السيئة تلعب برأسها، وكأنها دمية تطلقها الرياح في الهواء يمينًا وتارة يسارًا، تصور مشاهد مخيفة لابنتها، حتى استسلمت دموعها ورافقها نحيبًا مخنوقًا مُزج بترديد اسم الابنة. 

‏اتصالًا تليفونيًا وُرَد إلى الأم كاد أن يكون الاتصال القاضي عليها، حيث جاءت فيه كلمات مرتعشة لمشرفة"الباص" تصرح فيه بأنها لم تتمكن من العثور على الطفلة “جنى”، وذلك بسبب الزحام الكبير الذي تسبب فيه السوق الجديد المُقام هذا العام أمام المدرسة خاصة مع وجود عدد من المدارس المجاورة والتي تخرج هي الأخرى بذات التوقيت بالإضافة إلى الباعة الجائلين الذين احتلوا محيط المدرسة منذ سنوات.

توقف لسان الأم عن الحديث، وكأنها لم تعرف لغة إلا الصرخات المتتالية التي بدأت ترددها  باسم الابنة وبطريقة هيستيرية.

ساعات من البحث استمرت للوصول إلى الطفلة “جنى”، إلى أن تم العثور على الابنة الضائعة بالنهاية مع إحدى المدرسات التي انتشلتها بالصدفة بعد أن وجدتها خارج المدرسة تبكي وسط الزحام ولا تعرف أين تذهب.

"ليه يعيشونا لحظات الرعب على الأولاد دي" كلمات "س. أ" إحدى مشرفات "الباصات"، موضحة أن التكدس الرهيب أمام أبواب المدرسة بسبب تلك الأسواق يجعل فرص الضياع والاختطاف لهم سانحة بصورة كبيرة مهما كان هناك من احتياطات فهما في النهاية أطفال ومن السهل أن يجذبهما أي شخص وسط الزحام، خاصة أن  هذا العام هناك فترتان للدراسة مما يجعل موعد خروج الفترة الصباحية،  يوازيه موعد دخول المسائية وهو ما يزيد التكدس، وبالتالي فرص الاختطاف.

"رأيت أحد الباعة يتحرش بطفلة أمام المدرسة أمام عيني"، كلمات سميرة حسين إحدى الأمهات التي كانت تنتظر ابنتها، ولكنها فوجئت بما حدث مع تلك الطفلة حين وضع أحد الباعة وسط هذا الزحام الذي سببه السوق يده بمنطقة حساسة بجسم الطفلة الصغيرة، والتي بدا على ملامحها الذهول النابع عن الشعور الفطري بأن شئ ما خطأ قد حدث.

الأمر ذاته أكدته مشرفة أحد "الباصات" بمنطقة دار السلام، موضحة أن هناك من التلميذات اللاتي يشكين لها تعرضهن للتحرش من أمام أبواب المدرسة بسبب تواجد الباعة الجائلين والعاملين بالأسواق الشعبية الموجودة بمحيطها، والذين لا يخلو منهم من هو يتعاطى المخدرات ومن هو من أصحاب السوابق.

تتابع أن الفتيات أحيانًا كثيرة يجدوا حرجًا من الشكوى لأولياء أمورهم عن هذا الأمر، ولكنهم يلجأون إليها نظرًا لطبيعة علاقة الصداقة التي أنشأتها معهم، لذا دعت سميرة رؤساء الأحياء وقوات الأمن إلى تشديد الرقابة على محيط المدارس حماية لابنائنا من جرائم الخطف والتحرش، بل وحماية لهم من مشاهدة مناظر خلقية سيئة للمدمنين، وسوابق الإجرام.

وفي ظل ذلك أكدت “م. ح” ولية أمر إحدى الطلبة بمدرسة عمر بن عبد العزيز بمنطقة البساتين بالقاهرة لـ"الدستور" أنها تقدمت بشكوى هي وعدد كبير من أولياء الأمور لرئاسة الحي من تواجد سوقًا شعبيًا كبيرًا للأخشاب أمام مدرسة ابنها، ما يسبب عرقلة الطلبة في الدخول والخروج، وحدوث ضياع للصغار منهم، وحوادث تحرش، وبالفعل تم التحرك السريع من الحي وأُزيل جزءًا من هذا السوق، ولكن مازال هناك له بقية تنتظر هي وباقي أولياء الامور إزالته حسبما وعدهما الحي. 

وأشادت "م. ح" بالتحرك السريع للحي، موجهة جميع أولياء الأمور بأن يكونوا إيجابيين هكذا، وأن يتحركوا لحماية أبنائهم قائلة “الدولة ليس من المفروض أن تفعل وحدها كل شئ”.

تواصلت "الدستور" كذلك مع بعض رؤساء الأحياء لمعرفة كيفية تأمين مناطق محيط المدارس من الأسواق والباعة

اللواء شريف مكاوي رئيس حي عابدين قال إن هناك العديد من الحملات المفاجئة التي تتبع الحي والمحافظة تنتشر على المناطق المحيطة بالمدارس، وذلك من أجل التأكد من عدم تكدس الباعة الجائلين، كما يُستخدم في ذلك بعض الأفراد التابعين للحي بصورة خفية من أجل تحقيق أفضل النتائج في ضبطهم.

بينما قال اللواء خالد عصر، المسئول عن منطقة كرداسة، إنه بالمنطقة تم نقل الأسواق لأماكن متطرفة بعيدًا عن المدارس حتى لا يتسبب ذلك في زحامها، مؤكدًا على استمرار الحملات المتكررة لتأمين المناطق المحيطة بجميع المدارس.