جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نظرة على الصراع الأمريكى - الصينى

ربما استلفت انتباه الكثير المشادات الكلامية التى أطلقها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بشأن الصين، خاصة مع انتشار فيروس كورونا، هذا الفيروس الذى حرص ترامب فى أحاديثه على وصفه «بالفيروس الصينى» فى صيغة اتهام واضحة حول اتهام الصين، من وجهة نظره، بالمسئولية عن انتشار كورونا فى أنحاء العالم، ولم يكتفِ بذلك بل لا بد من الإشارة إلى العقوبات الأمريكية على أكبر شركة اتصالات صينية. وحتى مع مجىء الرئيس جو بايدن لم تهدأ حدة الصراع، بل أكد بايدن وحليفاه- بريطانيا وأستراليا- الاستراتيجية الغربية فى مواجهة الصين. لكن هنا يطرح السؤال: هل الصراع الأمريكى الصينى جديد؟

بالقطع الإجابة بالنفى، فالصراع الأمريكى الصينى قديم، ولكن ربما اتخذ الآن أشكالًا أخرى؛ إذ يجب ألا ننسى أن الصراع بدأ بداية أيديولوجية حادة مع اعتناق الصين الشيوعية، ودور الزعيم الصينى ماو تسى تونج فى ذلك الأمر، ومواجهة أمريكا زعيمة العالم الرأسمالى بعد الحرب العالمية الثانية لهذا الأمر. ووصل الأمر إلى عدم الاعتراف بحكومة بكين كممثلة للشعب الصينى، والإصرار على أن حكومة تايوان هى الممثل الشرعى الوحيد لكل الشعب الصينى.

ربما تغير ذلك مع اعتراف أمريكا بحكومة بكين، ودخول الصين ضمن الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمة فى مجلس الأمن، وتمتعها بحق الفيتو. لكن الصراع فى حقيقة الأمر لم ينتهِ، وإن اتخذ أشكالًا أخرى. ساعد على تأجيج الصراع، تمسُك الصين بسياسة الحزب الواحد- وهو الحزب الشيوعى- وتعارض ذلك مع ما تطرحه أمريكا من ضرورة تحول العالم إلى «الديمقراطية». لكن الأمر فى الحقيقة لا يقف عند حد الاختلاف الأيديولوجى السياسى، بل تخطاه إلى الصراع، بل دعنا نقول الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، خاصة مع الطفرة الاقتصادية الكبرى التى حققتها الصين فى العقود الأخيرة، ثم امتداد النفوذ الصينى إلى مناطق كانت أمريكا- أو العالم الغربى أو حتى حلف الناتو- ترى فيها مناطق نفوذ لها، ومن أهم هذه المناطق أواسط آسيا والشرق الأوسط وأيضًا إفريقيا.

ويشير تقرير أمريكى صادر فى عام ٢٠٠٥، أى من نحو ١٦ عامًا، إلى خطر النفوذ الصينى المتغلغل فى إفريقيا على المصالح الأمريكية والغربية بشكل عام، وأعد التقرير الباحثان «بيتر بروكس» و«جى هاى شين».

ويشير التقرير إلى أن قارة إفريقيا أصبحت مفتوحة أمام التغلغل الصينى. ويرصد التقرير زيادة حجم الاستثمارات الصينية فى استخراج النفط المهم للصناعات الصينية من حقول النفط الجديدة فى إفريقيا، لا سيما فى نيجيريا وجنوب السودان والجزائر، بالإضافة إلى الاستثمارات الصينية فى مجال التعدين واستخراج المعادن فى جنوب إفريقيا وزيمبابوى وليبيريا وتونس، وأهمية هذه المعادن بالنسبة للصناعات الصينية أيضًا.

وأشار التقرير إلى خطر أيديولوجى آخر هو تعامل الصين مع ما أطلقت عليه الأنظمة القمعية فى إفريقيا، وتصدير النموذج الصينى، من سيطرة الحزب الواحد، وعدم فتح الاقتصاد الإفريقى لحرية التجارة العالمية. كما أشار التقرير إلى الاستثمارات الصينية الكبرى فى مجال البنية التحتية خاصة فى الطرق ووسائل الاتصال الحديثة.

وركز التقرير على أمر خطير ومُزعج بالنسبة لأمريكا- والغرب بصفة عامة- وهو مبيعات الأسلحة والتعاون العسكرى بين الصين والعديد من الدول الإفريقية، لا سيما الدول التى فرض عليها الغرب عقوبات بخصوص التسليح، وعلى رأسها السودان وزيمبابوى وليبيريا.