جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المعارضة وبناء الشخصية المصرية

قال وزير الاعلام فى حركة طالبان الأفغانية اثناء حكمهم قبل عشرين عاما عن المعارضة ( لايوجد لدينا معارضة بحمد الله وبفضله الجميع راضى ومطيع لحركة طالبان وأوامرها وشروطها ...أما المعارضة فهى كافرة ....وملحدة...وقد طردناهم شر طردة ).

هذا بالطبع هو رأى ورؤية أى نظام تسلطى ودكتاتورى . والأهم فى الأمر أنه لظروف خاصة بمصر وعامة بالمنطقة أخذت هذه الأفكار وتلك التعريفات للمعارضة حيزا غير قليل فى الساحة السياسية. فهل هناك من أهمية لوجود المعارضة ؟ نعم وجود المعارضة هام وجزء من التركيبة السياسية لاى نظام بالدستور والقانون. مع العلم أن وجود المعارضة بالشكل العلنى والقانونى هو فى صالح الوطن وصالح أى نظام سياسى . 

ولذلك وجدنا الدستور وفى مواده الاولى ومنها المادة ٤ ( السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين ) . 

وهذا يعنى أن المشاركة السياسية لكل مواطن حق دستورى يتساوى فيه الجميع المؤيد والمعارض على أن يعمل كلاهما على حماية هذه السيادة الشعبية وان يصون وحدته الوطنية . وبالطبع لم يترك الدستور الممارسة والمشاركة السياسية بلا شكل أو ضوابط فكانت المادة الخامسة التى تقول ( يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين فى الدستور) .

 أى أن النظام تعددى حزبى وبالطبع لكل حزب برنامجه وموقفه ورؤيته السياسية التى يختارها المواطن للتفرقة بين حزب وآخر. ( فلا ديمقراطية بدون تعددية ولا تعددية بدون احزاب) .

 إذن وبكل صراحة فما هى المشكلة خاصة أننا سمعنا من السيسى السبت الماضى عند افتتاح أحد المشروعات بأنه يريد سماع الرأى الآخر. المشكلة لها عدة ابعاد .الاول : أن المعارضة والأحزاب  بشكل عام ومنذ نشأتها اعتمدت وتعتمد على الزعامات الشخصية أكثر من اعتمادها على البرامج الحزبية والسياسية .

هنا يتحول الانتماء إلى الأشخاص قبل البرامج التى يجب أن تكون فى صالح الوطن ( قولا واحدا) . والانتماء للشخص يؤكد ويرسخ القبلية والإختيار الطبقى والطائفى تحت وصايات متعددة تلغى عمليا فكرة الاختيار السياسى الصحيح الذى يعتمد على البرنامج لا على الأشخاص. الثانى: لاشك أن القيادات والكوادر الحزبية من الطبيعى أن تكون ذات خبرة ورؤية وموقف سياسى أى مانطلق عليه ( النخبة) . 

والنخبة هنا وبكل بساطة هى التى تعمل للصالح العام وليس الخاص والذاتي . هى التى تعطى ولاتاخذ وتبذل كل غالى ونفيس من أجل الوطن والجماهير. فهل كل النخبة بهذا المعنى هى كذلك ؟ بالطبع لايوجد احكام مطلقة ولكن للاسف من الواضح أن العملة الرديئة تخرج الجيدة . هنا حدث ويحدث الخلط الذى لايجب أن يكون . ذلك الخلط الذى يستغل من قبل مجموعات تدعى التأييد ولكن هذا التأييد لاجل مصلحة خاصة .

هنا تتعارض المصالح الخاصة تحت زعم ووهم وادعاء مصلحة الوطن والوطن والمواطنين لاعلاقة لهم بهذه الممارسات المرفوضة والتى يجب أن ترفض. الثالث : لاشك أن الممارسات التى لاعلاقة لها بالثورة أو الثوار منذ ٢٥ يناير .تلك الممارسات التى قامت بالحرق والقتل والتخريب الشئ الذى هدد أمن وامان الوطن سياسيا واقتصاديا ...الخ .

 للاسف قام البعض بنسب تلك الممارسات المرفوضة للمعارضة وبالمطلق. مما خلق مناخا جماهيريا برفض المعارضة بلا تحديد خاصة أن وهذا هو الأهم قد تم الخلط بين المعارضة الوطنية الدستورية والقانونية وبين اتباع وأرباب ومتعاطفى الجماعة . بالطبع هذا الخلط ليس فى صالح أحد . خاصة أن للمعارضة فى أى نظام شروط وحدود مثل ما التأييد وكله حسب القانون وغير ذلك لايحسب معارضة اطلاقا. فهل للمعارضة دور فى بناء الشخصية المصرية ؟ نعم هناك دور وإن كان غير مباشر بمعنى أن المعارضة فى الإطار الصحيح هى الرأى والراى الاخر .

هى البرنامج السياسى والبرنامج الاخر حتى يحدث التمايز الذى يكون فى صالح الوطن. وفضيلة الحوار والراى والراى الاخر   هى تفعيل للعقل وتعميق للفكر حيث يساهم هذا فى تشكيل الوعى الوطنى الذى نحتاجه اشد احتياج هذه المرحلة . الأحزاب شكلية وعدد بلا مضمون . 

هذا واقع علينا تغييره بتقليص الأحزاب الورقية وتفعيل النشاط الحزبى الذى يعتمد على تربية كوادر سياسية تشارك فى بناء الوطن. الموضوع طويل ومهم ويحتاج إلى حوار وطنى وموضوعى.  حمى الله مصر وشعبها العظيم.