جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هدية «الطيب».. و«هبد» الأشرار

قيام فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بإهداء «نسخة فريدة» من المصحف الشريف للرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الاحتفال بالمولد النبوى، أمس الأول الأحد، استفز غُدّة «الهبد» لدى بعض الأشرار ومَن فى قلوبهم غرض أو مرض. وكان أكثرهم «هبدًا»، أو جهلًا، هو حافظ الميرازى، مقدم البرامج التليفزيونية السابق، الذى يزعم أنه يحمل درجة الماجستير، مع أن سوابقه فى «الهبد» تشكك فى حصوله على أى مؤهل «عالى أو واطى»!. 

مِن الولايات المتحدة، التى يقيم فيها ويحمل جنسيتها، زعم المذكور، أن الملك فؤاد حاول أن «يستخدم الأزهر ليكون سنده فى تتويج نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد كمال أتاتورك»، وأنه استعد «لتحقيق مطمحه باستخدام المصحف وبرعاية الأزهر فاستدعى الخطاط التركى البارع من إسطنبول: محمد عبدالعزيز الرفاعى»، و... و... كان «شيخ الأزهر الظواهرى يقف مع غالبية من علماء الأزهر مع الملك وتنصيبه خليفة حتى لا يُترك المسلمون بلا خليفة بعد نهاية الخلافة العثمانية، بينما واجه الملك فؤاد معارضة على عدة جبهات: فالخطاطون المصريون، فى أوج الإحساس بالهوية الوطنية، اعترضوا على الاستعانة بتركى ليكتب لمصر وللأزهر منارته خط مصحفه المطبوع، واعترض البرلمانيون الذين يحكم حزبهم: الوفد، صاحب الأغلبية النيابية، البلاد وفقًا للدستور، على تجاوز الملك فؤاد صلاحياته، وعلى أن تكون له وصاية على الأزهر وشيخه. ثم جاء دور رجال الأزهر المستقلون رافضين عودة خلط الحاكم للدين بالدولة، فأصدر الشيخ على عبدالرازق كتابه (الإسلام وأصول الحكم) مقوضًا حجج الخلافة». و... و.. و«تولى الشيخ المراغى، الذى كان يعارض خطط خلافة الملك فؤاد، مشيخة الأزهر وتلاه فى المنصب، المؤكد على الاستقلالية عن الملكية، الشيخ مصطفى عبدالرازق، شقيق الشيخ على»!.

انتهى ما نقلناه عن «هبدة» الميرازى، التى تضمنت مساحة لا بأس بها من الخلط والتخليط، قابلة للأخذ والرد. أما ما لا يمكن النقاش بشأنه، فهو أن الملك فؤاد استقدم الشيخ الرفاعى بين عامى ١٩٢٠ و١٩٢٢، أى قبل سنتين على الأقل من إلغاء الخلافة العثمانية. كما أن المصحف، الذى كتبه، لا علاقة له بهدية الشيخ الطيب للرئيس، التى كانت نسخة جرى تنسيقها «باستخدام خط الملك فؤاد، الذى أعيد تجديده آليًّا بواسطة برنامج خاص على الحاسوب، بعد الاستعانة بخطاطين مهرة فى الخط النسخى، معتمدين على ما كان قد كتبه الخطاط محمد جعفر بك المتوفى سنة ١٩١٦، واضع القاعدة النسخية للمطبعة الأميرية، التى تمثل أبدع قاعدة خطية شهدها العالم الإسلامى، فكان أول مصحف أصيل مطبوع بالحروف المعدنية المنفصلة فى مصلحة المساحة سنة ١٣٤٢هـ ١٩٢٤م». وما بين التنصيص نقلناه عن بيان أصدره الأزهر الشريف.

ما لا يمكن النقاش بشأنه، أيضًا، هو أن حزب الوفد لم يحصل على الأغلبية النيابية إلا بعد انتهاء الشيخ الرفاعى من كتابة مصحفه. إذ إن أول انتخابات، بعد دستور ١٩٢٣، جرت فى ١٢ يناير ١٩٢٤ وقام على إثرها سعد زغلول بتشكيل الحكومة، التى لم تستمر غير ٩ أشهر و٢٧ يومًا. والأهم، هو أن «الوفد» هاجم كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، بمنتهى العنف، لدرجة أن سعد زغلول قال إن الشيخ على عبدالرازق «جاهل بقواعد دينه»، ووصف قرار هيئة كبار العلماء بإخراجه من زمرتهم، بأنه «قرار صحيح لا عيب فيه» و«لا علاقة له مطلقًا بحرية الرأى».

.. وتبقى الإشارة إلى أن «الشيخ الظواهرى»، محمد الأحمدى الظواهرى، لم يصبح شيخًا للأزهر إلا سنة ١٩٢٩، ما يقطع باستحالة تأييده لتنصيب الملك فؤاد خليفة، لأن الأخير تراجع عن الفكرة سنة ١٩٢٦ بعد فشل المؤتمر الإسلامى. أما ما يقطع بجهل الميرازى، فهو أن الشيخ مصطفى عبدالرازق تولى المنصب سنة ١٩٤٥، أى بعد ٩ سنوات من وفاة الملك فؤاد وبداية حكم الملك فاروق، رحمهم الله جميعًا، ورحمنا من هبد الهابدين، أشرارًا كانوا أو بلهاء أو جهلاء أو عملاء.