جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ضمير موظفى جوجل وأمازون!

أكثر من ٩٠ موظفًا فى شركة «أمازون»، وحوالى ٣٠٠ آخرين فى شركة «جوجل»، أدانوا تعاون الشركتين الأمريكيتين مع الحكومة الإسرائيلية، واعتزامهما بيع «تكنولوجيا خطيرة» لجيشها، ستلحق الأذى بالفلسطينيين، ضمن مشروع «نيمبوس»، الذى تم توقيعه فى يونيو الماضى، وزعمت «أمازون» أنه يهدف إلى تمكين الشركات الناشئة وتعزيز التنمية الاقتصادية.

الموظفون، الذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم خوفًا من التنكيل بهم، قالوا إن المشروع، الذى بلغت تكلفته ١.٢ مليار دولار، سيجعل التمييز والتشريد الممنهجين اللذين تمارسهما الحكومة الإسرائيلية أكثر قسوة وفتكًا. وأوضحوا أن المنتجات التى يشاركون فى تطويرها ستحرم الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية وستجبرهم على ترك منازلهم، وغيرها من الإجراءات التى دفعت المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق فى جرائم الحرب الإسرائيلية. 

فى خطاب نشرته جريدة «الجارديان» البريطانية، قال الموظفون إنهم من خلفيات ثقافية متنوعة، لديهم ضمير، ويعتقدون أن التكنولوجيا التى يصنعونها يجب أن تعمل على خدمة البشر فى كل مكان. مؤكدين أنهم «ملتزمون أخلاقيًا برفض أى انتهاكات لهذه القيم الأساسية»، ولهذا السبب، دعوا المسئولين فى أمازون وجوجل إلى الانسحاب من مشروع «نيمبوس» وقطع جميع العلاقات مع الجيش الإسرائيلى. كما طالبوا العاملين فى كل شركات التكنولوجيا والمجتمع الدولى بالانضمام إليهم، ومساعدتهم فى «بناء عالم تعزز فيه التكنولوجيا السلامة والكرامة».

شركة «أمازون» التى يقع مقرها الرئيسى فى الولايات المتحدة، أسسها جيف بيزوس، مالك جريدة «واشنطن بوست»، سنة ١٩٩٤، وسنة ٢٠١٤، افتتحت أول مكاتبها فى إسرائيل، ثم قامت، فى أغسطس ٢٠١٩، بإنشاء صفحة على موقعها باللغة العبرية. وفى نوفمبر التالى، قامت بحملة ترويجية، قدمت خلالها الشحن المجانى لأى طلب يتجاوز سعره ٤٩ دولارًا، شمل المستوطنات الإسرائيلية، غير الشرعية، فى الضفة الغربية المحتلة، ولم يشمل الأراضى الفلسطينية. ووقتها قالت جرانيت كيم، Granate Kim، مديرة الاتصالات فى منظمة «صوت اليهود من أجل السلام» إنها ليست مندهشة من قيام «أمازون» بالتمييز ضد الفلسطينيين.

مع ذلك، لم يرد ذكر الشركة فى القائمة السوداء، التى أصدرتها الأمم المتحدة، فى فبراير ٢٠٢٠، للشركات التى تنتهك القانون الدولى وتمارس أنشطة فى المستوطنات الإسرائيلية. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك، أن التكنولوجيا الجديدة، التى سيوفرها مشروع «نيمبوس»، طبقًا لما ذكره موقع «ذا نيشن»، ستسمح بمزيد من المراقبة وجمع البيانات بشكل غير قانونى عن الفلسطينيين، وستسهل توسيع المستوطنات الإسرائيلية.

ليست تلك المرة الأولى التى يدين فيها موظفو أمازون تواطؤ الشركة مع الانتهاكات الإسرائيلية. إذ قام مئات منهم، فى مايو الماضى، بالتوقيع على رسالة تطالب قيادة الشركة بالاعتراف بمعاناة الفلسطينيين، وإنشاء إطار عمل لحقوق الإنسان للعمليات التجارية. والطريف أن كارل راسين، مدعى عام العاصمة الأمريكية واشنطن، قام فى الشهر نفسه، بملاحقة «أمازون» قضائيًا بتهمة إعاقة المنافسة. وأشار فى نص الدعوى إلى أن «سلوك أمازون وحصتها السوقية يثبتان نيتها الاحتكارية»، واتهمها بـ«تعزيز أرباحها إلى الحد الأقصى على حساب الباعة والمستهلكين».

ضد «أمازون» أيضًا، قام عشرات الآلاف من مالكى الشركات الصغيرة والمتوسطة، فى الولايات المتحدة، بتشكيل تحالف، فى أبريل الماضى، لمواجهة ممارساتها الاحتكارية، أطلقوا عليه اسم «سمول بيزنس رايزينج»، أو «انتفاضة الشركات الصغيرة»، وطالبوا الإدارة الأمريكية، فى بيان، إلى كبح توسع الشركة أو تقسيمها إلى أجزاء. ومن المرجح أن يعقد مجلس النواب الأمريكى جلسات استماع لممثلى هذا التحالف، ستنتهى غالبًا بانحياز النواب لهم.

.. وأخيرًا، نتمنى ألا تكون صحوة ضمير موظفى «جوجل» و«أمازون»، لها علاقة بتلك الصراعات، أو بدخول بريطانيا سباق التسلح الرقمى، وإعلان وزير دفاعها عن اعتزام حكومته إنشاء «مركز حرب رقمية»، أو بقلق إدارة الرئيس جو بايدن من النفوذ الذى راكمته الشركات التكنولوجية العملاقة. كما أنه ليس بعيدًا أو مستبعدًا أن تكون الشركتان وراء تلك الصحوة، أو المناورة، ردًا على مشروعات القوانين الخمسة، التى بدأ الكونجرس الأمريكى مناقشتها، فى يونيو الماضى، أو استجابةً لضغوط حملة مقاطعة الشركات، التى خالفت القانون الدولى وقرارات أممية عديدة وعملت أو دعمت أو تربَّحت من المستوطنات الإسرائيلية.