جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الكنيسة المارونية: حَياةَ المَرء وإِنِ اغْتَنى لا تَأتيه مِن أًموالهِ

الأنبا جورج شيحان
الأنبا جورج شيحان

تحتفل الكنيسة المارونية برئاسة الأنبا جورج شيحان، اليوم، بحلول، الأربعاء، من الأسبوع الرابع بعد عيد الصليب، وتكتفي الكنيسة خلال احتفالاتها اليوم بالقداس الإلهي الذي يُقرأ خلاله العديد من القراءات مثل رؤيا القدّيس يوحنّا، إنجيل القدّيس لوقا.
بينما تُقتبس العظة الاحتفالية من شرح إنجيل القدّيس لوقا، للقدّيس كيرِلُّس الذي عاش في الفترة (380 - 444)، وهو بطريرك الإسكندريّة.
وتقول العظة: "ترى ماذا فعل الرجل الغني المحاط بفائضٍ من النِّعَم والخيرات إلى درجة أكثر من أن يمكن إحصاؤها؟ لكثرة هذه الغِلال، صرخ صرخة استغاثة وقلق، "فقالَ في نَفسِه: ماذا أَعمَل؟". قد أفهم أن رجلاً فقيرًا يمكنه أن يقول في نفسه هذه الكلمات البائسة "ماذا أَعمَل؟" لكن!... إنّ هذه الصرخة تأتي من رجل ذي غنى لا محدود!... ثم أتّخذ القرار: "أَعمَلُ هذا: أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبرَ مِنها، فأَخزُنُ فيها جَميعَ قَمْحي وأَرْزاقي".
وتضيف: "لقد أراد أن يتنعّم لوحده بهذه الغِلال الّتي من شأنها أن تكفي مدينة مكتظّة بأسرها. لم ينظر إلى المستقبل؛ لم يرفع عينيه إلى الله؛ لم يحسب أنّ الكنوز الّتي في العلى تستحقّ لحظة من وقته لكي يربحها. لم يكتنز أي حبٍّ للفقير ولم يرغب في الاحترام المتأتّي من جرّاء قيامه بذلك: لم يُبدِ أيّ تعاطف مع المعاناة؛ فإنّها لم تؤلمه ولم توقظ فيه أي شعور بالشفقة. والأمر الأكثر جنونًا كان أن قام بتحديد مدّة حياته، ولكأنّي به سوف يجنيها من أرضه أيضًا إذ قال لنفسه: "يا نَفْسي، لَكِ أَرزاقٌ وافِرَة تَكفيكِ مَؤُونَةَ سِنينَ كَثيرة، فَاستَريحي وكُلي واشرَبي وتَنَعَّمي". لكن أيّها الغني الجاهل، يمكن لأحدهم أن يقول لك: صحيح أنّ لديك أهراء كبيرة لتخزن فيها غلالك، ولكن من أين لك أن تأتي بالسنين الكثيرة لتحياها لو أراد الله أن تكون حياتك قصيرة؟ فها هو يقول لك: "يا غَبِيّ، في هذِهِ اللَّيلَةِ تُستَرَدُّ نَفْسُكَ مِنكَ، فلِمَن يكونُ ما أَعدَدتَه؟".
وتكمل: "إنّه لأمرٌ صحيحٌ "أَنَّ حَياةَ المَرءِ، وإِنِ اغْتَنى، لا تَأتيه مِن أًموالهِ". لكن، مباركٌّ هو الإنسان الّذي يصل إلى الله فهو ذو رجاءٍ مجيد. ومَنْ هو إذاً هذا الإنسان؟ بالطبع هو مَنْ يحبّ الفضيلة أكثر من الثروة، والذي يكتفي ببضعة أمور: أن تكون يده مفتوحة تجاه حاجات المعوز، وأن يخفّف من أحزان الفقراء بوسائله الخاصّة وإلى أقصى حدود طاقته. إنّه هو من "يَكْنُزُ لِنَفسِهِ كُنوزاً في السَّماء، حيَثُ لا يُفْسِدُ السُّوسُ والعُثّ، ولا يَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقوا" هذا الإنسان سوف يجد "فائدة" فضيلته والمكافأة على استقامة حياته ونقائها.