جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أشهرها «قلعة الصليبية».. العالم السرى للسجون الإسرائيلية

العالم السرى للسجون
العالم السرى للسجون الإسرائيلية

على الرغم من نجاح السلطات الإسرائيلية فى القبض على الأسرى الفلسطينيين الستة، الذين هربوا من سجن جلبوع، فإنه لم تتحسن صورة مصلحة السجون الإسرائيلية «شاباس»، أمام الإسرائيليين، فلا يزال اسمها يتردد فى الصحف، مع التركيز على ثغراتها وأخطائها وفحص تاريخها. «الدستور» تُلقى نظرة على الجدل الدائر فى المجتمع الإسرائيلى حول مدى قدرة السجون على أداء دورها، فعمليات خطف السجناء للحراس أو تهديد أسرهم أو هروب السجناء لا تزال تقلق الجميع. 

 

الانتداب البريطانى أبقى على أماكن الاعتقال العثمانية وأشهرها «قلعة الصليبية»

خلال فترة الانتداب البريطانى، لم تُبن أى سجون جديدة فى فلسطين، بل استعملوا السجون العثمانية كـ«القلعة الصليبية» فى عكا، ومبانى أخرى، لكن لاحقًا لم تعد السجون كافية لاستيعاب عدد السجناء الكبير، فجرى تشغيل السجناء فى الأعمال الإنشائية وبناء الجسور والسكك الحديدية، وشق الطرق والشوارع والعمل فى المحاجر. 

وبين عامى ١٩٣٢ و١٩٤٥، كان متوسط عدد السجناء اليومى يتراوح بين ألفين وأربعة آلاف سجين، وبعدها، عند تعاظم الهجرة اليهودية، ارتفع عدد السجناء والموقوفين بسبب النشاط السرى والهجرة غير الشرعية، فأصبحت السجون شديدة الاكتظاظ وكثيرة الصراعات بين الأسرى الفلسطينيين واليهود. فى سنة ١٩٤٦، أُعلن عن أن مصلحة السجون أصبحت وحدة منفصلة فى إدارتها عن وزارة الشرطة، وجرى إقرار وجوب فصل السجناء عن السجينات، والسجناء عن الموقوفين، وبين البالغين والقاصرين، ووجوب تشغيل السجناء فى الأعمال المختلفة وإعطاء السجناء حقوقًا، مثل إرسال الخطابات وممارسة الشعائر الدينية، والحق فى التعامل الإنسانى وتلقى العلاج الطبى.

ومع قيام إسرائيل عام ١٩٤٨، اُتخذ قرار بإلغاء الفصل بين سلطة السجون عن جهاز الشرطة، ثم عاد الحديث عن الفصل مرة أخرى عام ١٩٥٣، وكان الحديث فى حينه بهدف توفير الميزانيات الحكومية، لكن عاد القرار النهائى بالفصل لأهداف أمنية فى ١٩٥٨ بعد الهروب الكبير من سجن شطّة وتمرّد الأسرى فيه.

وفى عام ٢٠٠٠، اُتخذ قرار قومى استراتيجى، ينص على اعتبار مصلحة السجون الإسرائيلية «شاباس»، منظمة الحبس المدنية فى إسرائيل، ونقل بموجب القرار كل أماكن التوقيف التنفيذى للشرطة والسجون العسكرية التى تضم الأسرى الأمنيين إلى مسئوليتها.

وللتمكن من احتجاز عدد السجناء الأمنيين الكبير، بنى الجيش الإسرائيلى مبانى مخصصة وملائمة أمنيًا، وحتى عام ٢٠٠٥ كان قد اكتمل ضم المبانى العسكرية لمصلحة السجون، وفى هذا الإطار، جرى نقل سجن مجيدو وكتسيعوت ومعسكر عوفر لمسئولية «شاباس».

«شاباس» تدير 33 سجنًا وتتسلح بـ4 وحدات دفاعية لمواجهة التهديدات

«شاباس» تتبع السلطة التنفيذية فى وزارة الأمن الداخلى، ويتلخص عملها فى إدارة شئون السجناء والموقوفين والمتسلّلين، عبر سد احتياجات السجناء الأساسية، وتأهيلهم للانخراط فى المجتمع من جديد، بالتعاون مع الجهات المختصة لإعطاء العلاجات الملائمة.

تضم مصلحة السجون الإسرائيلية ٣٣ سجنًا، وتحتوى على ١٧ ألفًا و٥٠٠ سجين وموقوف، جنائيين وأمنيين، يشملون النساء والقاصرين. وتواجه مصلحة السجون تهديدات عديدة ومحاولات الهرب وتهريب أغراض ممنوعة «مخدرات وكحول وهواتف نقالة وأسلحة» وهجومًا على أفراد الطاقم وخطف السجانين وأخذهم كرهائن وأعمال شغب مختلفة، ولهذا جرى تزويد مصلحة السجون بأربع وحدات لمواجهة تلك التهديدات. الوحدة الأولى هى «نحشون»، التى أنشئت سنة ١٩٧٣، ترافق السجناء والموقوفين إلى المحاكم، وترافق أكثر من ألف سجين يوميًا، على متن مركبة «سجن على عجلات»، وتعمل كقوة تدخل أمنى فى حالات خرق النظام.

أفرادها يواجهون تهديدات من قِبل أقرباء السجناء والسجناء أنفسهم، ما يتطلب منهم التدريب للتعامل مع مهام كهذه، بدقة وسرّية. فى عام ٢٠٠٣، أنشئت وحدة «متسادا»، وهى الوحدة المكونة من جنود مجهزين على الدوام لتنفيذ رد فعل احترافى فى الأحداث المعقدة والأزمات داخل مبانى السجون، ووظيفتها الأساسية تحرير الرهائن «السجانين» من السجناء، وتتميز هذه الوحدة باستعمالها الأسلحة «الأقل فتكًا»، وهى بمثابة مركز معلومات حول المجال للقوات المختلفة فى إسرائيل، وتساعد الجيش الإسرائيلى فى العمليات الخاصة وتحرير الرهائن، وفى بعض الحملات الأمنية. أما وحدة «درور»، فهى وحدة استخبارات مصلحة السجون الإسرائيلية، وتهدف إلى محاربة العمليات داخل السجون، ومنع تهريب المخدرات والأغراض الممنوعة من خارج السجن، وبين السجناء. تكون الوحدة فرقة مختلفة من الجنود المحاربين، والمخابرات التكنولوجية، ومرافقى الكلاب البوليسية، إضافة إلى فريق للمهمات الخاصة، ويتلخص عملها مع الشرطة والجيش. ومع سن قانون حماية الجمهور من الاعتداءات الجنسية عام ٢٠٠٦، أنشأت «شاباس» وحدة «تسور»، المخصصة لحماية الجمهور من عودة مجرمى الاعتداءات الجنسية لفعل الاعتداء مرة أخرى، وتعمل على تحديد ومتابعة وإحباط نوايا المجرمين فى العودة إلى تنفيذ الاعتداءات بواسطة المراقبة فى عدة أوقات. 

عقوبات جماعية للانتقام: منع الزيارات والأطباء و«الكانتين» وتقليل ساعات التنزه

بعد عملية الهرب، جرى توزيع ٤٠٠ سجين من الجهاد الإسلامى على جميع السجون الإسرائيلية، وجرى تعليق زيارة العائلات بواسطة الصليب الأحمر، وتقليل ساعات التنزه خارج الغرف من أربع ساعات إلى ساعة واحدة، ومنع السجناء من الخروج لزيارة الطبيب أو الشراء من «الكانتين». وحسب تقارير فإن ظروف السجناء الأمنيين سيئة، مبانى السجون التابعة لمصلحة السجون قديمة، والسجناء يوجدون بصورة مكتظة وعدد من الخدمات فى الغرف مهملة، والأمور أصبحت أكثر سوءًا بعد عملية الهرب، ورأى محللون أن هذا الأداء انتقامى.

يوجد السجناء الأمنيون فى ظروف مقيدة، فلا يُسمح لهم بالإجازات وإجراء زيارة منفردة مع الزوجة، وأبناء عائلاتهم من الدرجة الأولى يمكنهم زيارتهم مرة فقط فى الشهر، ولا يحصلون على عملية إعادة تأهيل أو التعليم الأكاديمى. لكن يوجد لهم نظام تعليم داخلى خاص بهم يقدم لهم فرصة لاستكمال امتحانات الثانوية. معظم اليوم يقضونه أمام التلفاز، خمس قنوات لسجناء «حماس» وعشر قنوات لسجناء «فتح»، من بينها قناة «كان» و«ريشت ١٣». السجناء الأمنيون يتمتعون بظروف لا يحصل عليها السجناء الجنائيون، عمليًا، هم يديرون حياتهم تقريبًا بشكل مستقل فى السجن. سجناء الجهاد الإسلامى يمولون أنفسهم بالأموال التى يحصلون عليها من السلطة الفلسطينية، والتى يجرى تحويلها إليهم بشكل ثابت. بواسطة هذه الأموال يشترون من «الكانتين» الحلوى والمشروبات ومواد التنظيف وما شابه، لأن من حق كل سجين الحصول على ١٢٠٠ شيكل من عائلته تودع له، إضافة إلى ٤٠٠ شيكل يجرى تحويلها للشراء من «الكانتين» فى القسم.

تحقيقات الهروب تشير إلى تورط مصلحة السجون

حكومة إسرائيل بدأت تشكيل اللجنة الحكومية للتحقيق فى هرب السجناء الستة من سجن جلبوع، ورغم أن نتائج اللجنة لم تظهر بعد، تكهن بعض الكُتاب فى إسرائيل بأن سبب الفساد هو «النقص فى الميزانية».

عقب التصريح الأول لمصلحة السجون، بعد حادثة الهرب، عندما تبين أن برج المراقبة الذى يوجد بالضبط فوق فتحة خروج النفق كان شاغرًا، قال مصدر فى مصلحة السجون إنه لم تكن هناك ميزانية لإشغال البرج.

وأشار المحللون والكُتاب إلى أن الحقيقة عكس ذلك، وأنه لا يوجد لمصلحة السجون أى مشكلة فى الميزانية، ففى العقد السابق جرت مضاعفة ميزانيتها من ١.٨ مليار شيكل فى ٢٠٠٩ إلى ٣.٨ مليار شيكل فى العام ٢٠٢٠، فى حين أن عدد السجناء انخفض. والسبب أن مصلحة السجون قررت تخصيص الأموال التى حصلت عليها لتحسين ظروف الأجور والتقاعد لموظفيها، بدلًا من استثمارها فى تحديث التكنولوجيا وتحسين مبنى السجن، واستغلت الأموال فى ارتفاع حجم القوة البشرية، حيث جندت مصلحة السجون المزيد من السجانين فى العقد الأخير، حتى وصلت إلى النسبة الأعلى فى العالم، وهى سجان لكل معتقلَين. كما أن الكثير من السجانين جرى إرسالهم لدورات ضباط لتحسين رواتبهم، إذ إن راتب الضابط فى الكادر ارتفع ٢١٪، وهو الأعلى فى العالم، نتيجة لذلك ارتفعت الأجور ووصل الأجر إلى ١٧ ألف شيكل فى الشهر بالمتوسط، فى حين أن الضابط يحصل على ٢٥-٥٠ ألف شيكل فى الشهر. النتيجة هى أن ٨٠٪ من ميزانية مصلحة السجون توجه للرواتب ومخصصات التقاعد، و٢٠٪ فقط لزيادة القوة والتكنولوجيا، وهو ما أثر على الإحكام الأمنى للسجون.