جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

سارة شريف تكتب: رجل عادى لدولة معقدة

سارة شريف
سارة شريف

 

فى إحدى الأمسيات، أثناء متابعتى إحدى القنوات العبرية، شاهدت موكبًا معروفًا، سيارات سوداء فخمة، محاطة بسيارات شرطة، وسيارات جيب، والصافرات تنطلق، فهمت أنها قافلة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بعد لحظة أدركت أنه نفتالى بينيت وليس «بيبى» الذى يجلس فى السيارة الفاخرة ذات الأضواء اللامعة، الموكب المبهر يجلس فيه شخص جديد ومختلف عما كان لمدة ١٢ عامًا.

بعد أول ١٠٠ يوم من حكومته، يجب المراجعة.

«بينيت» هو ببساطة إنسان طبيعى، يحاول أن يكون ناجحًا، لا يتحرك «بعظمة»، ولا يتحرك بجنون عظمة، يتحرك بشكل عادى.

خطاباته ليست رنانة، وتصريحاته ليست مثيرة للإعجاب أو الانتقاد، هى مجرد تصريحات، لا يهاجم الإعلام، ولا يشعر بأن هناك من يتآمر ضده، يثنى على وزرائه، ولا نسمع كثيرًا عن أخبار عائلته، ولا نعرف آخر تحركات زوجته، يقوم بمهامه بهدوء، يؤديها دون ضجيج ودون صخب، يؤديها بشكل عادى ليس أكثر أو أقل، دون مبالغة.

هذه المرة رئيس الوزراء الإسرائيلى، مختلف عن نتنياهو، فهو ليس عاليًا وليس متعاليًا، بل هو واحد من الإسرائيليين، لا يوجد حوله ما يسميه الفرنسيون هالة الرئيس، كما أنه ليس دقيقًا وحادًا، وذكاءه ليس خارقًا، والحقيقة أنه ليس مخادعًا أيضًا مثل بيبى.

ليس سياسيًا تقشعر له الأبدان، وخطواته يمكن توقعها بدقة، معه لا توجد أحابيل ولا مناورات ولا ألعاب سياسية، ولا خدع، مثل بيبى.

نفتالى بينيت هو رجل كفء بدرجة ما، ذو قدرة تفكير واسعة، وآراء سياسية صحيحة، وهو ينطق بالإنجليزية بطلاقة، لكن تجربته السياسية لا تزال قليلة، لا تكفى بضع سنوات من العضوية فى الكابينت «مجلس الوزراء المصغر»، ونصف سنة فى وزارة الدفاع، تحت قيادة نتنياهو «الذى كان يمسك بيده زمام الأمور»، من أجل إعداد شخص يمكنه أن يقود دولة معقدة مثل إسرائيل.

على الرغم من ذلك، فهو حتى هذه اللحظة، أدى مهامه بشكل جيد، تعيينات مناسبة، إدارة سليمة، وتحركات فى السياسة الخارجية مثيرة للإعجاب، «يائير لابيد وزير الخارجية له الفضل فيها».. فحكومة التغيير تواصل اتخاذ خطوات أولى جديرة بالإشارة.

هو أيضًا واضح لدرجة مفزعة، فقد صرح علانية بأنه لا يوجد لديه أى اهتمام بالتسوية، وأنه ضد حل الدولتين. نتنياهو ذات يوم «خطاب بار إيلان ٢٠٠٩» قال إنه مع حل الدولتين، وعندما واجهوه بعد سنوات قال: كل واحد يعرف الدولة حسب مفهومه.

هذا هو الفرق بين بيبى وبينيت، الأول ليس عنده مشكلة أن يقول تصريحات تعجب الأمريكيين والأوروبيين، حتى لو يقوم فى حينه بمزيد من بناء المستوطنات، بينيت يتصرف بشكل تلقائى دون أن تحركه رغبة فى أن يُعجب أحدًا.

هناك حقيقة أخرى، أن البيبيين «أنصار بيبى» لم ينكسروا ولم ينسحبوا، ولم يستسلموا، رغم فقدان السلطة. هناك حركات تتفكك بعد فشل كهذا، لكن هذا الأمر لا ينطبق عليهم.

حتى من اعتقد أنه عند انتقال نتنياهو إلى المعارضة ستنتهى حالة «الإعجاب المرضى» به فى الساحة الإسرائيلية فهو مخطئ، فهو لا يزال يخطف العيون، يظهر يوميًا بتغريدات مثيرة على تويتر، وفيديوهات يهاجم فيها أداء الحكومة، لا يترك صغيرة أو كبيرة دون أن يحللها وينتقدها، ويطرح حلولًا، ويلتقى مع سياسيى العالم ويلتقط صورًا، ويتصدر العناوين الرئيسية.

نتنياهو يتحرك كمستشار أعلى لإسرائيل وليس كرئيس للمعارضة، يقول فى كل لحظة إنه ليس رجلًا عاديًا، يثبت أنه يملك مفاتيح تلك الدولة المعقدة، يقول فى كل لحظة إن من يحكم الإسرائيليين الآن رجل عادى يدير دولة معقدة.