جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عذرًا لأطباء التجميل

 

حجزت لي صديقتي طبيبة التجميل موعدًا بعيادتها المكتظة التي قد يصل الأمر إلى الحجز قبل الموعد بأسبوع على الأقل، لكن مجرد أن أخبرتها برغبتي وفرت لي موعدًا في اليوم التالي، كنت هناك في الوقت المحدد، وجدت مريضتين تسبقاني في صالة الانتظار، سحبت مجلة من أعداد كثيرة متراصة فوق المكتب الكبير، قلَّبت صفحات الإعلانات التي توضح الملامح قبل عمليات التجميل وبعدها، إنهن يتغيرن تمامًا، وكأنهن يضغطن على زر يَعُدن به إلى الماضي ويبدأن عد السنوات من جديد، دققت النظر، لا لا ليست التجاعيد هي من تختفي فقط، هذه السيدة تجمدت نظرة العين لديها قليلًا، وتلك السيدة، اختفت الروح من ضحكتها، وسيدة أخرى كشفت رقبتها عن سنها الحقيقية حين بدا التباين واضحًا بين ملامحها المعدلة وخطوط رقبتها.
أبلغت الممرضة أنني نسيت شيئًا بالسيارة وسأعود في الحال، فبادرتني قائلة: لحظة يا أستاذة، الدكتورة أوصتني ألا أتقيد بالدور عندما تأتين، يمكنك الدخول بمجرد خروج المريضة التي بالداخل، قلت لها: سأحضر هاتفي من السيارة، لقد نسيته، لن أتأخر، أسرعت الخطى نحو الخارج ولا أدري ماذا أصابني، ما هذا الهلع الذي جعلني أختلق عذرًا واهيًا وأفر من العيادة؟
أغلقت السيارة من الداخل وأخرجت مرآة بحجم الكف أحملها دومًا بحقيبتي، أطلت النظر إلى وجهي في المرآة، تلك الخطوط على جبيني أتذكرها جيدًا، حين كنت أرفع حاجبي وتتسع حدقتي العين كلما أدهشتني روعة الحياة، وتلك المحيطة بفمي تعود بي للحظات المرح وتخبرني عن كم الضحكات التي جلجلت في سماء روحي، وهذه الكرمشات أسفل عيني يختبئ خلفها طريق طويل من أحزاني وبكائي على أرصفة الذكريات، وهذا النمش المنثور على خدي أصبح جزءًا مني يحمل بصمتي وتجارب العمر.
طالما أحببت الاحتفاظ بأوراقي القديمة ولا أفرط في أشيائي أبدًا، ألبوم الطوابع والعملات القديمة يشهد على ذلك، ألبوم طوابع يحتوي على مجموعات متكاملة من الإصدارات، إما أن تكون من الطابع نفسه بألوان متعددة، أو ذات الموضوع بأشكال مختلفة وبالطبع إصدار المدينة ذاتها، كنت أذهب إلى مكتبة التعاون بميدان الجامع بمصر الجديدة لأنتقي ما يروق لي من المجموعات المختلفة التي أتت حديثًا للمكتبة، أما العملات القديمة لدي منها ما يرجع تاريخه إلى الماضي البعيد، حتى الأوتوجراف العتيق مازلت أحتفظ به، أوتوجراف أحمر على شكل قلب مزين بتوقيع أصدقاء المرحلة الإعدادية والثانوية بمدرسة "مصر الجديدة النموذجية" والحافل بالعبارات المتداولة حينها، التي كلما قرأتها أشعر بالحنين والبساطة والروقان والطفولة البريئة:
"اذكريني دائمًا فالذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان"، "أكتب لكي بالقلم الرصاص علامة الحب والإخلاص"، "أكسيد حبي + حامض هواكي+حرارة= تفاعلات في قلبي"، "أكتب للذكرى والذكرى منار ولن ينتهي حبي لكي ولو غاصت مياه البحار" .

أدرت محرك السيارة ولا أدري هل أضعت فرصتي في البدء بسنوات عمري من جديد؟ أم أنني سأُبقِي على ملامحي لأنني أخشى التغيير؟ أم أنها ثقة زائدة بالنفس وأحب هيئتي كما هي؟ أو ربما لأنني قديمة الطراز وأعشق صناعة الذكريات؟ لا أدري، لكنني انشغلت طوال الطريق في البحث عن كلمات اعتذار لائقة لصديقتي عن الخدمة التي لم أحصل عليها.