جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

من الأزمة إلى الفرصة

كثيرا ما نسمع ونقرأ عن أزمات دولية نُعْزِيها الى ضعف الموارد وزيادة الاعداد ومحاولات مضنية للحد من زيادة عدد السكان بكل الوسائل حتى نسمع ونقرأ تبريرا لضيق ذات اليد والعبء الكبير الذي يتحمله السيد الرئيس في سبيل تدبير الموارد التي تغطي احتياجات المجتمع الضرورية، بل الاساسية اللازمة للحفاظ على سلامة مركب السكان وصولا لبر الأمان قدر الإمكان. 
ومع أني لست مع السباق التناسلي الاعمى دون حساب لأعباء مسيرة الحياة وتحقيق الضروريات التي تحفظ سلامة السفينة من الغرق او التعثر في ضحالة مياه بكثافة الوحل. وفي الوقت الذي نرى دولا اخرى استطاعت ان تحول الازمات الى فرص نادرة من الانتاج الجيد بتكلفة تنافس العديد من دول اخرى، فأصبحت زيادة السكان هي فرصة لتحقيق إنتاج اجود، واسعار تنافسية يتسابق اليها السوق المحلي والعالمي، ومن الامثلة البارزة  دولة الصين، فهي الولة الاولى تعدادا والأولى انتاجا تنافسيا، لم تستطع دول العالم الاول ان توقف سباق الانتاج بأسعار لا تستطيع الدول الغنية منافستها .
فالصين هي على قمة العالم تعدادا حتى لحظة كتابة هذا المقال، مليار وأربعمائة مليون مواطن بنسبة تقترب من تسعة عشرة في المائة من إجمالي عدد  سكان العالم، ويليها الهند بفارق واحد في المائة من التعداد العالمي.
أما الدولة رقم ثلاثة من التعداد السكاني فهي الولايات المتحدة ولكن بفارق كبير جدا حيث لم تتعدى نسبة سكانها أربعة ونصف تقريبا من الخريطة السكانية العالمية.
أما مصر فهي الدولة رقم ثلاثة عشرة بتعداد تخطى المائة مليون نسمة (102،487،500). وحتى لا تصبح الاعداد موضع تخويف وترهيب وكأن أزمتنا فقط هي الزيادة العددية، والحقيقة ان أزمتنا هي عدم التوازن بين العدد البشري والنمو الاقتصادي المعادل للنمو البشري. فاذا كان النمو السكاني أعلى من النمو الاقتصادي فتكون الدولة في أزمة حقيقية يطلق عليها أزمة التراجع الاقتصادي.

والتنمية هي مجموعة من التغيرات المتحركة حتى تتساوي زيادة السكان مع النمو الانتاجي الاقتصادي بل ويزيد.  والفرق بين التنمية والنمو الاقتصادي أن التنمية أوسع من النمو لمصاحبة التنمية بتغيرات هيكلية تشمل الهيكل الاقتصادي الوطني، وتنوع مصادر الدخل، وهذا هو الفارق بين البلاد النامية والبلاد المتعثرة في النمو الاقتصادي الموازي للتنمية البشرية. وملامح هذا التعثر يتبين من الانخفاض المتزايد لمتوسط دخل الفرد الحقيقي، ويصاحبه انخفاض حقيقي في مستوى الانتاج كما ونوعا ينتج عنه بالضرورة ضعف الدخل الفردي الحقيقي.

ومن العوامل المؤثرة في هذا الارتباك الاقتصادي يد عاملة غير مدربة ينتج عنها ضعف كمي وتواضع نوعي ان لم يكن تدهور وفقر كمي ونوعي يفتحان الطريق للبديل الخارجي الأفضل نوعا وربما الأقل سعرا نتيجة أيد مدربة وساعات عمل حقيقية بسياسة انتاج علمية اقتصادية. كما تتزايد العوامل التي يمكن تسميتها بعوامل الفقر الحتمي نتيجة الفقر الاقتصادي والفقر العلمي والعملي، فالتقدم الاقتصادي يقاس حتما بالموازنة بين معدلين أساسيين هما معدل نمو الانتاج كما ونوعا مع معدل نمو السكان. 
ومن العوامل المؤثرة في الإرباك الإقتصادي يأتي الجانب الأمني، والاستقرار الاجتماعي، والتدريب الحقيقي للأيدي العاملة، وتطوير أدوات الانتاج، وكلها مؤثرات حقيقية تنعكس على آليات اقتصادية لاتنفصل عن عوامل الاستقرار السكاني وروابط المواطنين ببعضهم وبالضرورة تؤثر بين الشعوب وحكوماتها.  وحتى لا نستغرق في السلبيات يمكن القول أن النمو السكاني كما نراه أزمة يمكن تحريكها من الأزمة إلى الفرصة إذا ما أحسنّا تدريب عمالنا وتأهيلهم لتصبح اليد العاملة ثروة حقيقية في الداخل وعملة صعبة في الخارج يطلبها الجار القريب وسائر دول العالم حيث فرص العمل تزيد عن زيادة السكان بالقدر التوازني. 
 كما لا يمكن التغافل عن الارتباط بين الازمات الاقتصادية وزيادة أعداد المتعطلين عن العمل والإنتاج الحقيقي بعوامل الاستقرار الأمني والاجتماعي وحسن الجوار ونشاط السوق السياحي ومكانة الدولة بين دول العالم، بل وانتقالها من تصنيف العالم الثالث تأدبا من وصف آخر لا يليق بشعوب لها تاريخ كمصر التي كانت سلة الخبز لدول الجوار وملاذ الأمن ومتعة الاستقرار وطيب العيش، فهل نرى في واقعنا عودة لتاريخنا بكل روائعه في زماننا او في زمان اولادنا؟ انه أمل ليس بمستحيل إذا ما خلصت النوايا وتفتحت العقول لننتقل من لغة الرفض وارتفاع أسوار التباعد إلى وحدة الصفوف وقبول الآخر بكل اختلافاته لتصبح تنوعا يثرينا لا حواجز تفصلنا، فمصر أولى برجالها وتستحق كل جهد واخلاص حقيقيين من كل مواطن.

  • الرئيس الشرفي للطائفة الإنجيلية بمصر