جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الزاوية

عودة طالبان وأزمة الإسلام السياسى فى العالم العربى

ثلاث قضايا، سياسية، أمنية، نتجت عن نتائج أحداث ومعطيات، تشكلت عربيًا وإسلاميًا، وهي:
أولًا: عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان وسيطرتها على الحكومة الأفغانية. 
تحول قادته الولايات المتحدة، عندما أقرت إنهاء وجودها العسكري في أفغانستان، فتحكم اللاعب في حجارة الدمينو، إلى أن انهارت، لتعود إلى طاولتها وفق الرؤية الكلاسيكية لحركة طالبان. 
ثانيًا: إعلان الرئيس التونسي قيس بن سعيّد، قرار تجميد الحياة البرلمانية، وحل الحكومة، ما أدى إلى الواقع الذي تمثله تجربة حركة النهضة الإسلامية في تونس. 
هذا الإعلان الذي سبب تراجعًا حادًا في الثقة بين المجتمع والدولة ونظم الحكم؛ ذلك ما أرجع التجربة التونسية إلى حد الصراعات المهددة للحياة، والمؤسف أن تنفلت الأمور نحو الصراع الحزبي والطائفي والعسكري. 
ثالثًا: الفشل الذريع للإسلاميين في الانتخابات النيابية الأخيرة في المملكة  المغربية، وحصولهم على 13 مقعدًا فقط؛ هزيمة نتيجة لزيادة البطالة وارتفاع معدلات الفقر وتراجع شعبية الإسلاميين في المنطقة، وحيثيات اتفاق تطبيع العلاقات الذي وقعه المغرب مع إسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
في واقع الأحوال، الإشارات والتنبيهات التي رافقت الواقع في المنطقة والشرق الأوسط عمومًا، كانت الأحزاب الإسلامية، والوسطى الإسلامية، نجحت في الوصول "مرحليًا وجزئيًا" إلى  الحكم في معظم الدول  الدول العربية والإسلامية، وتحقق لها في أعقاب ثورات ما سمي  بالربيع العربي عام 2011. 
كارثة عقائدية تتقلقل  على صدع وآفاق تجارب أممية خطيرة، جعلت المنطقة، بعد عقد واحد من جلوس القوى والأحزاب الإسلامية  في الحكم، تخسر كل مكتسباتها، ما جعل وجودها في المجتمع، نواة لحركات شعبية رافضة لها، تجردها من كل مكتسبات تلك المرحلة. 
 في العاصمة الأردنية عمان، تناولت ورشة نقاشية عقدها معهد السياسة والمجتمع، دلالات ما يحدث، و تدارسوا الأزمة البنيوية التي  تمرّ بها حركات الإسلام السياسي في العالم العربي. 
10سنوات من تداعيات الربيع العربي، اقتصاد مكشوف وتنمية متهالكة وبرامج صحة وتعليم تنازع البقاء، خصوصًا مع تفشي فيروس كورونا، كوفيد19، عدا عن الفشل في مسارات الإدارة والتنمية السياسية، وخلفيات الإفشال في السلطة السياسية. 
      رؤى في النقاش، عقدها معهد السياسة والمجتمع، عبر مجموعة من الخبراء، رأوا أنّ هنالك أسئلة حقيقية مطروحة على مصير الإسلام السياسي اليوم، بعدما وصل بعض الحركات الإسلامية إلى مرحلة متقدمة من التخلي عن الشعارات التي قامت عليها خلال العقود السابقة، وتوغلت في العمل السياسي، ووصلت إلى الحكم، لكنها لم تستطع أن تقدّم شيئًا جديدًا للجماهير. 
تبدى المشهد، بحسب أوراق الندوة النقاشية، إلى أنّ الوعود التي كانت تؤمل فيها الشارع العربي بعيدة المنال، بل وجد كثيرون فيها نسخة مكررة عن الأحزاب السياسية الأخرى، والنخب التي وصلت إلى الحكم قبلها، ووفقًا لهذه القراءة فإنّ هنالك أزمة بنيوية حقيقية تعيش فيها أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي؛ فلا هي قادرة على العودة إلى الوراء، إلى مرحلة الشعارات البرّاقة والخطاب الهوياتي البسيط السهل الذي يحشد الجماهير، ولا هي استطاعت أن تجترح حلولًا نوعية تقنع الجماهير بأنّها تملك بالفعل مفاتيح التغيير.
ورأى الباحثون أنّ هذه الحركات والأحزاب الإسلامية، سواء فشلت لعجزها عن تقديم حلول واقعية في الحكم أو أُفشلت بسبب التواطؤ المحلي أو الدولي ضدها، فإنّها اليوم عالقة ومرتبكة في التعامل مع اللحظة التاريخية الراهنة، وعلى الأغلب ستكون أمام خيارين؛ بعضها سيفضل العودة إلى الخطاب الهوياتي الإحيائي التقليدي، وبعضها الآخر سيضاعف من حجم الواقعية والبراجماتية ويمضي مسارات أكبر في الطريق، حتى لو فقد قاعدته الشعبية التي كسبها خلال المعارضة والمرحلة الشعاراتية الاحتجاجية السابقة.
 إجماع غريب، نظريًا بين الباحثين، على أنّ ما حدث في تونس والمغرب مفيد- في بعض الجوانب والزوايا- لتجارب التحول الديمقراطي العربية، لأنّه يثبت حجم التهويل والتخويف المبالغ فيهما، الذي مارسته الأنظمة العربية خلال العقود السابقة ضد "البعبع الإسلامي"، إذ ثبت أن الإسلاميين قد ينجحون في الوصول إلى كرسي السلطة عبر صندوق الانتخابات، لكنهم من الممكن جدًا أن يخسروا السلطة أيضًا عن طريق الصندوق، وأنّ المخاوف المرتبطة بالقاعدة التي رفعها البعض "صوت واحد لمرة واحدة" في حل وصول الإسلاميين ليست دقيقة، في أغلب الحالات، وبالتالي فالخبر الجيّد في هذه التجارب العربية أنّ الإسلاميين الذين خسروا السلطة سيتحولون إلى أحزاب سياسية برامجية واقعية، وسيتخلون عن الهالة العقائدية الدينية السابقة التي وظفوها للتعبئة الشعبية، وسنجد أنّ المخاوف المتبادلة بين الإسلاميين والعلمانيين ستتبدد.
المعهد، أبدى خشية من واقع جدلي، لأن فشل الإسلام السياسي الديمقراطي- وهي آراء ليست لديها دراسات مقارنة- سيؤدي إلى ما يشبه حالة الفراغ في "اليمين الديني" في الشارع، وهو الأمر الذي ستسعى الحركات الجهادية والمحافظة والأقل براجماتية على ملئه، ومحاولة تجنيد الشباب واستقطابهم نحو العمل الجهادي والقتال المسلّح بوصفه الخيار الوحيد الممكن لإنقاذ المجتمعات العربية من الأوضاع التي وصلت إليها، وبوصفه بديلاً عن خيار الإسلاميين الديمقراطيين، الذين فشلوا في الوصول إلى تحقيق جزء من مطالب وأهداف المجتمعات العربية والمسلمة.
      تستبق ندوة معهد السياسة والمجتمع، بعض الحركات من داخل أحجار الدمينو، وهذه النقطة يتقاطع- داخلها- ما حققته حركة طالبان عسكريًا، مع ما حصل مع الإسلاميين في المغرب وتونس، إذ قد تكون الخلاصة أو النتيجة التي يصل إليها الشباب الإسلاميون المتحمسون أنّ تقديم التنازلات البراجماتية والسياسية والتمسك بالخيارات الواقعية، لم يؤد إلى نتائج جيدة، بل إلى خسارات فادحة لحقت بالحركات الإسلامية. 
الخطير في الأمر، أن أوراق النقاش، ترى أن البديل الحقيقي هو ما حدث مع التجارب المسلّحة، سواء مع تنظيم داعش الذي تمكّن من السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي خلال فترة زمنية قصيرة، أو حركة طالبان التي تمكنت من الصمود العسكري والإمساك بالسلطة بعد عقدين من المواجهة القاسية مع التحالف الدولي. 
      ينجح المعهد في طرق جدار الخزان، "بيسمع الصوت"، ذلك: أنّ أفضل من يستثمر في أزمة الإسلام السياسي "الذي ينخرط في العمل الديمقراطي" هي الحركات الإسلامية الراديكالية، التي تحوّل خطابها إلى نقد الاتجاه البراجماتي ووصفه بالتهاون والتخاذل وتحريف الإسلام، وتخاطب- أي الحركات الجهادية- العواطف لدى قاعدة الشباب المتحمس والقاعدة الشعبية المحافظة، التي قد لا تكون راضية عن التنازلات التي قدّمها الإسلاميون في السلطة في محاولة للانسجام والتناغم مع الشروط والمتطلبات الديمقراطية، بحسب خلاصات حصلت عليها "الدستور". 
       مما يعزز هذا السيناريو، تنحاز الدراسات إلى مؤشرات صاخبة تؤكد على أن: تلك القناعات لدى نسبة كبيرة من الشباب الإسلاميين الظروف والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الهشّة في كثير من الدول العربية، بخاصة مع تداعيات كورونا، ومع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وعجز الأنظمة السياسية عن ترسيخ الآليات والتقاليد الديمقراطية والمشروعات التنموية، مما يجعل حالة شريحة اجتماعية واسعة أقرب إلى الغضب والإحباط والسخط على الأوضاع الراهنة، وهي المشاعر التي تستثمر فيها أيضًا الحركات الراديكالية، بخطاب تبسيطي صارخ في تكفير الأنظمة القائمة والدعوة إلى تغييرات جذرية.

.. وعود على ما جرى في تونس منذ- ما اصطلح على تسميته- الربيع العربي 2011، فإنّ اتجاهات الباحثين اختلفت في توصيف وتعريف ما حدث؛ بين من يرى في قرارات الرئيس بن سعيد تصحيحًا للمسار الديمقراطي وإنقاذ للبلاد مما وصلت إليه، ويرفض إسقاط ما حدث في مصر على تلك التجربة، ومن يرى في ذلك انقلابًا على الثورة وخروجًا عن المسار التونسي الاستثنائي بعيدًا عن السياقات العربية المتدهورة.
     يقول المعهد، استنادًا إلى ما قدم من طروحات سياسية واجتماعية، ناقلًا رأي- بعض الباحثين- إنّ القوى الديمقراطية المدنية لعبت دورًا كبيرًا في إدارة المشهد السياسي في تونس، وقامت بالتصدي لأي محاولات كادت أن تؤدي إلى انفجارات دموية داخلية داخل البلاد، وما زالت هذه الأحزاب فاعلة وموجودة في المشهد التونسي رغم محدودية تأثيرها في المجال العام بالفترة الأخيرة.
كان هنالك دور مهم للقوى المدنية وعلى رأسها اتحاد الشغل التونسي الذي اتخذ موقفًا واضحًا مما حدث "التشاركية أو الديكتاتورية" ما وضع الرئيس سعيّد في مأزق.
.. وفي أفق آخر، وعلى مقربة من تونس، تضع الدراسات تجربة الإسلام السياسي في المغرب، تحت مجهر؛ متمثلة بحزب العدالة والتنمية المغربي الذي خسر الحزب شعبيته وسقط في الانتخابات "التشريعية" الأخيرة سقوطًا مدويًا، رغم مرور عشر سنوات على تصدره المشهد السياسي في المغرب، انهيار الشعبية وخسارة الانتخابات وفقًا للخبراء يعود لأسباب متعددة: من رأى أن الحزب افتقد إلى البرنامج الاقتصادي والاجتماعي في تحقيق العدالة والمساواة، والبعض أشار إلى تقديم تنازلات كبيرة من قبل رئيس الوزراء المغربي "أسعد الدين العثماني" باستضافة الرموز الإسرائيلية وعقد اتفاقات التطبيع مع اسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وتصريحات عديدة ضد دول الجوار الجزائر وتونس.  
 في  المشهد الأفغاني، يرصد المعهد، ما فرضته حركة طالبان، من سياسة الأمر الواقع وأثبتت وجودها، رغم سيطرتها المسبقة على أفغانستان في فترة "1996-2001" ما قبل أحداث سبتمبر "2001" وتكريسها لعمليات من السلطة والقمع للحريات العامة وإقامة دولة حاضنة لتنظيم القاعدة المصنف إرهابيا ودخولها في حرب طاحنة مع القوات الأمريكية والدولية مدة عقدين من الزمن إلا أنها استعادت زخمها وقوتها وعادت مجددا الى الساحة بقوة مع تقديم الضمانات للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بتحقيق الاستقرار داخليا وحماية المصالح الغربية في أفغانستان وعدم السماح لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها من الأراضي الافغانية، فقايضت الحركة الإمساك بالسلطة بمواقف سياسية خارجية مطمئنة.

   في تقدير المعهد، وأوراق جدلية نوقشت، فإن الموقف الأميركي، كان يقع بين :
   - لم تكن هناك ردود فعل واضحة من جهة الولايات المتحدة والغرب، حول ما حدث مؤخرا في تونس، ولا يوجد هناك دفاع جدي عن القيم الديمقراطية، التي تتغنّى بها الولايات المتحدة، رغم أنّ حزب النهضة في تونس اندمج في السياسات السلطوية ودخل في اللعبة السياسية الديمقراطية. 
- الولايات المتحدة اعترفت بطالبان وسيطرتها على الأراضي الأفغانية رغم تصنيفها على قائمة الإرهاب ودخولها في حرب طويلة ضد الولايات المتحدة لمدة عقدين، تلك رسالة خطيرة قد تلتقطها العديد من الحركات وفحواها أنّ الديمقراطية لا معنى لها في السياسة الخارجية الأميركية، والانخراط في العملية السياسية سلميا لا فائدة منه با، بل على النقيض من ذلك فإنّ الحركات المسلحة (حتى لو صنفت إرهابية) ستنال اعتراف الولايات المتحدة والعالم اذا فرضت نفسها بقوة السلاح! 
          =وثيقة=
قراءة مستقبلية 
            خرج الباحثون بجملة من الاستنتاجات الفردية في نهاية الحلقة البحثية، يمكن إجمال أبرزها على النحو التالي:
من الواضح أنّ هنالك ارتفاعاً في منسوب وعي الناس والشباب خاصة ببرامج الأحزاب وما تطبقه على أرض الواقع، فأصبح الهم الرئيس لشريحة اجتماعية واسعة هو ما يمكن أن تقدمه الحكومات من خدمات وحلول عملية للمشكلات الكبيرة التي تعاني منها، فتراجع تأثير الأيديولوجيات والخطابات الرنانة الكبرى التي كانت بسهولة تحرك الجماهير وتكسب تأييد المتعاطفين في صناديق الانتخابات. 
كشفت التطورات الأخيرة في تونس والمغرب، بل عززت القناعة بأنّ الدولة العميقة في العالم العربي تغولت على باقي السلطات، وأصبحت هي التي تمسك في تلابيب السلطة، حتى لو كان الإسلاميون أو غيرهم في الحكم، فهنالك بنى سلطوية أقوى وأعمق ومتجذرة.   
لا يوجد بديل عن الخيار الديمقراطي، فالبناء الديمقراطي خيار استراتيجي، كذلك على الإسلاميين التوافق مع التيارات الاخرى من اجل التمكين المجتمعي في المراحل القادمة 
عدم التعويل على الدور الأمريكي في المنطقة فأولويات الولايات المتحدة تتجه نحو التنافس الدولي مع الصين وروسيا . 
بناء الدولة يجب أن يكون على اسس موضوعية بهدف ادماج التيارات السياسية المختلفة لتحقيق التنمية والحد من الاتجاه نحو العنف خاصة بين فئة الشباب.

المشاركون في الحلقة البحثية 
رشا فتيان- المديرة التنفيذية لمعهد السياسة والمجتمع
عبلة أبو علبة : الأمين العام لحزب الشعب الدميقراطي الأردني- نائب سابق.
حسام الغرايبة: اعلامي أردني – مقدم برناج صوتك حر على راديو حسنى. 
حسن أبو هنية: كاتب أردني خبير بالحركات الإسلامية.         
حسين الرواشدة: كاتب سياسي أردني.
عبادة العلي : ناشط سياسي وطبيب في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي.
د. زيد النوايسة: محلل سياسي اردني.
د. بدر ماضي: استاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الاردنية.
د. محمد ابورمان: باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية الجامعة الاردنية
د. خالد سليم: باحث دكتوراة في مجالات السياسة والوقاية، خبير في تقييم وتطوير المؤسسات.
أحمد القضاة : مدير الإعلام والاتصال في معهد السياسة والمجتمع...