جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تاريخ لن ننساه (18).. اغتيال الدكتور فرج فودة

 
وفي يوم 11 يونيو 1992 توقف موتوسيكل بجوار سيارة الدكتور فرج فودة، الأستاذ بكلية الزراعة والكاتب المفكر المعروف، وعند نزوله منها عاجله أحد راكبي الموتوسيكل بطلقات بندقية آلية، فسقط على الأرض، وأصابت الطلقة ابنه أحمد 14 سنة، وصديق للدكتور اسمه وحيد رأفت، ولاذ الجناة بالفرار. 
أسرع سائق سيارة فرج فودة وأدار محركها وانطلق خلف الجاني حتى تمكن من الاصطدام بالموتوسيكل وتمكن بمساعدة الأهالي من القبض على راكب الموتوسيكل، وتبين أنه طالب مفصول من المعهد الفني الصناعي بالمطرية، ومتزوج ويقيم في الزاوية الحمراء، ويعمل كهربائيًا، وسبق ضبطه في تنظيم الجهاد عام 1981 ومفرج عنه حديثا.
أسرع إلى مكان الحادث وزير الداخلية وكبار مساعديه وعدد من الصحفيين والفنان عادل إمام وحسين فهمي والمطرب محمد نوح.
كانت وزارة الداخلية قبل ذلك قد أخبرت الدكتور فرج فودة بأنه على قائمة اغتيالات، وأنه مستهدف من قبل الجماعات الإسلامية، وقامت الوزارة بتعيين حراسة مشددة على منزله وشخصه، ولكنه ضاق بالحراسة وطلب رفعها رغم تحذيرات الداخلية.
بعد القبض عليه اعترف المتهم بأنه قرر هو وزميله عضو التنظيم قتل فرج فودة باستخدام السلاح الأبيض وطعنه، ولكنه لم يتمكن من استخدام تلك الطريقة لضخامة جسم المجني عليه وفضل أن يقتله بالرصاص. ولذلك سعى إلي شراء بندقية آلية وساعده التنظيم، وأرشد المتهم عن زملائه الذين ساعدوه، ووصل عددهم إلى أحد عشر شخصا ومعهم أميرهم الذي أفتي لهم باستباحة دم فرج فودة، بالإضافة إلى خمسة آخرين أسهموا في شراء البندقية وتاجرين للسلاح ومحام.
أمير الجماعة التي أمرت بقتل الدكتور فرج فودة من مواليد المنيا وكان طالبا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسة وفصل في السنة النهائية لتورطه في أحداث أسيوط عام 1981، وبعد سجنه انتسب إلى كلية الآداب جامعة المنيا، وهرب أثناء ترحيله في 19 أبريل 1992 لتأدية الامتحان.
وفي 13 يونيو 1992 وزعت الجماعة الإسلامية منشورًا بعنوان «نعم قتلناه » قالت فيه:
"قتلناه ليس قمعا لحرية الفكر، ولكن وقفا لحرية الكفر، قتلناه لتطاوله واستهزائه المستمر بمعالم ديننا الحنيف وتاريخ أمتنا المسلمة ولحربه الضروس لمنع قيام دولة إسلامية بحجة إننا مسلمون، وكان الصحابي محمد بن مسلمة قد قتل الشاعر كعب بن الأشرف الذي كان يخوض في نساء المسلمين بشعره الفاحش حتى قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه أذى الله ورسوله. قتلناه وقتلنا مخبر إسنا في 27 أبريل 1992 ، وقتلنا رفعت المحجوب، وحاولنا قتل ذكي بدر وعبد الحليم موسي وسنقتل من يحارب المسلمين سواء بالكلمة أو بالسوط أو بالرصاص، ولن تتوقف مسيرة حربنا لأعداء الإسلام حتى يطلق سراح الدعاة الي الله المودعين في السجون والمعتقلات منذ أربعة سنوات دون جريرة، ولن تتوقف حربنا لأعداء الله حتى يحطم الثالوث القذر (التعذيب. احتجاز الأهالي. الفصل من الدراسة والوظيفة، وبعد فاليوم فرج فودة وبالأمس كان رفعت المحجوب وغدا لا يعلمه إلا الله." 
الجماعة الإسلامية 
في 12 ذي الحجة 1412 
يونيو 1992.
وقد تحرك المثقفون في مصر، وأدانوا الحادث، وكتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي قصيدة من ستين بيتا بعنوان «شفق على سور المدينة» نشرها في مجلة إبداع، كما كتب بدر الديب قصيدة يرثي فيها الفقيد، وكتب إدوار الخراط ولطفي الخولي في مجلة إبداع التي تصدرها وزارة الثقافة ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وكتب غيرهم من الكتاب في أمكن متفرقة. 
وقبل اغتيال فرج فودة عقدت ندوتان بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب. 
إحداهما عقدت في 12 يناير 1992 في معرض الكتاب بالقاهرة، والثانية عقدت بنقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992.
كانت كلا الندوتين بمثابة مصيدة للدكتور فرج فودة ليعلن آراءه أمام عدد من محدودي الثقافة المتربصين به. وهو الأمر الذي أدي لقتله. وهو ما عبر عنه الدكتور سمير سرحان في مقال له بعنوان «هل كنت مسئولا عن دمه؟» 
كما كانت الندوة الأولي مثالا لاستفزاز فرج فودة لتجعله يرد بالحجج القاطعة على منتقديه وكأنه في امتحان. وقد حشدت الجماعات الإسلامية ما يقرب من 15 ألف فرد من أعضائها ازدحمت بهم القاعة لمساندة الدكتور محمد عمارة والمستشار مأمون الهضيبي والدكتور محمد أحمد خلف الله. 
وهو ما أشار إليه الدكتور مراد وهبة في مقال له إلى قضية اشتراك رجل الشارع في القضايا الفلسفية والفكرية الخلافية، وقال إن اختيار رجل الشارع ليكون محل تجارب الفيلسوف المحنك يعني وضع طبيعة ساذجة أو أرض بكر أمام مخالب فكر عويص.
والسؤال إذا كانت الندوة كذلك، كما وصفها الدكتور سمير سرحان في مقاله السابق فلماذا لم يلغها ولماذا لم تتحرك أجهزة الأمن لتلغي المناظرة؟ ولكن سمير سرحان قرر أن عواقب إلغاء الندوة ستكون أشد ضررا من إقامتها، وأن هذه الآلاف سوف تتحول إلي مظاهرة هادرة، وان أعلام الحرية والديمقراطية المرتفعة فوق بوابة المعرض وساحة المكان سوف لا تكون لها أي قيمة.
كانت الندوة بمثابة المصيدة لفكر علماني في مواجهة فكر ديني. وهو ما حولها إلي حلبة ملاكمة على النظام الأمريكي تكال فيها الضربات للخصم بلا هوادة وفي النهاية يعلن الحكم انتصار الفريق الفائز بالضربة القاضية أو النقاط، ويعود الجميع إلى بيته، والمتباريان إلى المستشفى.

يتبع