جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

استراتيجية حقوق الإنسان بين الحقوق والعقوق

الرئيس السيسى يطلق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ليس هذا عنوانًا لخبر، ولكنه معنى يحمل رؤية واضحة لحقوق الإنسان فى مصر، وهذه الرؤية يجب أن تكون منهجًا تسير عليه المؤسسات المصرية، وحقوق الإنسان التى يعنيها الرئيس ليست حقوقًا مستوردة من أمريكا، ولم تأت إلى بلادنا محمولة فوق دبابة أمريكية، ولكن الرئيس أوضح أنها «نابعة من فلسفة مصرية ذاتية تؤمن بأهمية تحقيق التكامل فى عملية الارتقاء بالمجتمع، والتى لا يمكن أن تكتمل دون استراتيجية وطنية واضحة لحقوق الإنسان تعنى بالتحديات والتعاطى معها مثلما تراعى مبادئ وقيم المجتمع المصرى، ومن ثم فقد اهتمت بمختلف محاور حقوق الإنسان من منظور متكامل ومفهوم شامل لتلك الحقوق».

وبالتالى يخرج من تلك الاستراتيجية ذلك الإرهابى الذى يعتدى على حق الإنسان فى الحياة، ويخرج منها تلك الجماعات التى تستهدف تخريب الوعى المصرى، ويخرج منها تلك الجمعيات المشبوهة التى تقوم بدور لتمهيد الأرض المصرية لكى تتقبل مفاهيم شاذة ومنحرفة مثل المثلية والإلحاد، ولا ينبغى أن يكون فى تلك الاستراتيجية شخصيات تُروج لسياسات أمريكية إسرائيلية، وتعمل على اختراق المجتمع المصرى وتدميره من الداخل، لا ينبغى أن يكون فيها من جعل من نفسه ميكروفونًا مهمته إثارة الضغائن والتعصب والكراهية بين فئات المجتمع المصرى، هؤلاء جواسيس، والجاسوس ليس له إلا أن يوضع فى قفص الاتهام أمام المحاكم، لا أن يوضع فى استديوهات القنوات الفضائية ليروج أفكاره المدمرة، ويأخذ فى مقابلها أمام كل العيون المفتوحة ربع مليون جنيه فى الحلقة الواحدة، ولكن للأسف مثل هؤلاء الجواسيس يجلسون فى اللقاءات السياسية الكبرى أمام أكبر المسئولين ليضعوا أمامنا نظرياتهم التخريبية، هؤلاء، لمن لم يكن يعرف، كانوا يعقدون الصفقات مع أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، ويفتحون لهم صفحات الصحف، ويجرون معهم الحوارات، ويبشرون بهم، ويطالبون بدمجهم فى المشروع الوطنى المصرى.

هؤلاء هاجموا مبارك ثم سبّحوا بحمده ثم هاجموه، ثم طالبوا بمحاكمته، ثم امتدحوه وتغزلوا فى محاسنه، وقالوا إنه كان من أعظم رؤساء مصر، أصواتهم القبيحة ليست هى أصواتهم ولكنها أصوات من يحركهم من وراء الستار، ولا يجوز لنا أن نسمح لهؤلاء بالحديث وتخريب الوعى المصرى، بضاعتهم فاسدة، وولاؤهم ليس لمصر أبدًا. وكان من عجبى أنهم، وهم يعلمون خطورة الإخوان على مصر، عقدوا معهم الصداقات، وقالوا إنهم يجب أن ينعموا بحقوق الإنسان، وكأنهم يطالبون بنوع جديد من الحقوق الإنسانية هو «حقوق الإنسان الإرهابى»، والحقيقة أن هذا النوع هو فى حقيقته «عقوق الإنسان» وليس حقوق الإنسان، فهذه الألسن هى ابنة للعقوق، لا يهمها مصر ولكنها مثل «بلطاى» فى قصة «واإسلاماه» الذى كان يمثل التتار فى مصر ولكنه يظهر أمام الناس وكأنه يدافع عن المصريين.

ولذلك يجب أن يختفى من المشهد أبناء العقوق، أولئك الذين كانوا ذيولًا للإخوان، ودلاديل أمريكا، لأنهم فى حقيقة الأمر جواسيس، وقد يظن الواحد منا أن مهمة الجاسوس هى تقديم المعلومات للعدو الذى يريد القضاء علينا، ولكن مهمة الجواسيس تغيرت الآن، فأصبحت مهمتهم هى تمهيد الأرض المصرية لسياسات وثقافات وأفكار يرغب العدو فى نشرها والتأثير بها، وللأسف نحن الآن نقع فى أخطاء غريبة فنجعل من هؤلاء الجواسيس رموزًا لمصر، نحن الآن نقع فى أخطاء الأنظمة السابقة أيها السادة، فإذا كان من أكبر أخطاء الأنظمة السابقة أنها اعتبرت الإخوان مجرد جماعة مصرية لها مفاهيم دينية يمكن التفاهم معها، وظنت تلك الأنظمة أنها بضربة أمنية قوية تستطيع القضاء على هذه الجماعة، والحقيقة أن أحدًا لم يدر بخياله أن هذه الجماعة اعتبرت نفسها دولة، ولكى تكون دولة يجب أن تكون لها مؤسسات، وقد كان، ولكى تستطيع دولتهم ذات المؤسسات مواجهة دولة مصر يجب أن تكون لها أذرع متنوعة، بعضها أذرع مدنية وبعضها أذرع عسكرية، وقد كانت الرموز التى نقدمها حاليًا فى اللقاءات السياسية الكبرى وفى القنوات الفضائية، ونمكنها من إدارة المؤسسات التعليمية العليا مثل الجامعات، وكذلك فى المؤسسات الثقافية والإعلامية هى ذاتها أذرع جماعة الإخوان.

لا تظن يا صديقى أنه تم القضاء على تنظيم الإخوان بشكل نهائى، فلا يزال التنظيم يعمل تحت الأرض، وهو فى حالة كمون حاليًا، ولكنه ينشر أفكاره عن طريق أذرعه وألسنته، هذا التنظيم يعمل على الترويج لمظلوميات، ويعلم أن المظلومية التى يصنعها ستظل ذات تأثير ولو بعد سنوات طويلة، فهل سيظل الغافلون فى غفلتهم والمتغافلون فى تغافلهم؟، للأسف لا أرى شيئًا فى الأفق، شيئًا يضعنى أمام أمل حقيقى! بل إننى أرى أنه سيزداد عدد الغافلين مع الوقت، لأن أذرع تلك الجماعة المدنية ما زالت تعمل بكل قوتها على نشر الغفلة وتغييب وعى الشعب، وقد برعوا فى علم «صناعة الغفلة» براعة كبيرة، واستخدموا فى تلك الصناعة كل علوم «البرمجة الذهنية» ووسائلها المتاحة مثل مواقع التواصل الاجتماعى التى تعتبر أخطر أسلحة العصر، فمن خلالها يتم تزييف مشاعر الناس العاديين وتوجيهها نحو المساهمة فى هدم الدولة، ومع مواقع التواصل برعت تلك الجماعة الإرهابية فى استخدام الصحف والمجلات، وفى بعض الأحيان تأجير صفحات من صحف بعينها لتنشر من خلالها أفكارها الخبيثة، ثم مواقعها هى على شبكة الإنترنت، ثم مواقع أخرى تدعى أنها لا تربطها علاقة بالإخوانية وهى من مواقعها الخفية، تم إعدادها لتنشر مظلوميتها المزيفة فتؤثر على الغافلين أو الذين يقبلون أن يقعوا فى الغفلة، ومن أسف كان عدد لا يستهان به من نخبتنا يقع عامدًا فى الغفلة لعله يحصل على دراهم معدودة، والحديث عن هؤلاء قد يجرنا للحديث عن القنوات الفضائية التى يظهر فيها رموز تعمل من أجل المشروع «الإخوا أمريكى»، والأهم من قنوات التليفزيون بعض «جمعيات حقوق الإنسان» التى هى تابعة للجماعة أو هى أصلًا من صنيعتها، فتلك تعمل من أجل تزييف الحقائق أمام المجتمع الغربى من خلال تقارير مزورة، ووقائع مختلقة، ولم تكن تلك المنظمات الحقوقية والبحثية وليدة هذه الأيام ولكن كان لها تاريخ فى الإخوان، ألم نقل إنهم دولة أنشأوا لأنفسهم مؤسسات، واتفقوا مع رموز شيطانية؟!

وإن أنسَ فلا أنسى أبدًا مقولة مأمون الهضيبى فى أحد الاجتماعات الإخوانية حينما قال: «كل شخص عندنا قابل للشراء، هناك من نشتريهم بالآية القرآنية والحديث الشريف، وهناك من نشتريهم بمقاعد فى النقابات أو البرلمان، وهناك من نشتريهم بالمال، كل شخص قابل عندنا للشراء».

وللعلم فإن تلك المؤسسات المدنية فى الجماعة تعتمد أول ما تعتمد على الحماية التى تسبغها عليها المنظمات البحثية والحقوقية الدولية، كما أن من أولويات تلك المنظمات الحقوقية الإخوانية وضع صورة مزورة لدولة مصر أمام المجتمع الدولى، بحيث تظهرها وكأنها تعتدى بشكل منظم وممنهج على حقوق الإنسان، وتلك الصورة المزورة ترغبها دول الغرب، وتسعى إليها كى تستطيع من خلالها التدخل فى الشأن المصرى الداخلى وصولًا إلى تنفيذ خططها الاستعمارية، فواهم من ظن أن الغرب تخلى عن أطماعه الاستعمارية، ومغفل من ظن أن الغرب يهتم بحقوق الإنسان المصرى أو العربى، ولكنه يستخدم تلك الشعارات الحقوقية لتكون مبررًا له، كما كانت أوهام «الأسلحة الكيماوية العراقية» مبررًا لها لقتل الملايين من شعب العراق، وصولًا إلى الاستيلاء بالمجان على بترول العراق، ثم زرع الدواعش فيها لكى يسهل لها التدخل فى الوقت الذى يشاءون، وواهم من ظن أن الغرب يسعى للقضاء على بشار الأسد بسبب أن بشار يعتدى على حقوق الإنسان، ولكن الصراع على مناطق النفوذ التى تمر منها مواسير الغاز من سوريا إلى أوروبا هى أصل النزاع، وفى كل ما سلف كانت منظمات حقوق الإنسان التابعة للإخوان والعاملة تحت إدارتها، أو بالتنسيق معها، هى العنصر الفاعل فى تمهيد الأرض للغزاة الجدد، وقد عملت هذه المنظمات بكل جدية فى كل من مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن، ثم سكتت تمامًا عن حقوق الإنسان فى السعودية والمغرب وباقى الممالك العربية! ولكننى الآن بعد أن أطلق الرئيس السيسى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، على أن تنطلق من مفاهيمنا وثقافتنا أدركت أن مصر أصبحت تعرف مكامن الخطر الوافد علينا من الأذرع الاستعمارية وكيفية مواجهته.