جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الاقتصاد مقابل الأمن؟!

بعد «الاعتراف مقابل السلام» و«الأرض مقابل السلام» ثم «السلام مقابل السلام»، ظهرت خطة «الاقتصاد مقابل الأمن»، التى اقترحها يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى، أمس الأول الأحد، للتعامل مع «معضلة» قطاع غزة، التى ردّ عليها محمد أشتية، رئيس الوزراء الفلسطينى، بتأكيده أن المشكلة سياسية، وأن حلها يحتاج إلى مسار سياسى جدى وحقيقى، يرفع الحصار عن القطاع، ويُنهى الاحتلال، ويوقف العدوان عن كل الأراضى الفلسطينية.

المشكلة سياسية فعلًا، وعدم حلها، سياسيًا، ستكون له تبعات جسيمة على أمن واستقرار المنطقة. وفى مستهل الاجتماع الأسبوعى للحكومة الفلسطينية فى رام الله، أمس الإثنين، أوضح «أشتية» أن مشكلة غزة هى المشكلة ذاتها التى تواجه جميع الأراضى الفلسطينية، بما فيها القدس، مؤكدًا أن عملية إعادة الأعمار لن تكون ممكنة ودائمة إلا بحلها. ثم دعا الصليب الأحمر والأمم المتحدة إلى متابعة أوضاع الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، والتأكد من عدم تعرضهم للتعذيب والتنكيل، وحمّل سلطات الاحتلال المسئولية الكاملة عن حياتهم.

«لابيد»، الذى من المقرر أن يتولى رئاسة الوزراء فى غضون عامين، بموجب اتفاق التناوب مع نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الحالى، أقر بأن خطته لا تشكل، حتى الآن، سياسة رسمية للحكومة الحالية المؤلفة من ثمانية أحزاب، لكنه أشار إلى أنها تحظى بدعم «بينيت». وكشف «لابيد» عن إجرائه سلسلة من المحادثات، بشأن تلك الخطة، مع شركاء فى العالمين العربى والغربى والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وروسيا. وقال إنه لا يزال «فى مرحلة الرسم»، ولن يقترح الخطة، بشكل رسمى، على الحكومة الإسرائيلية إلا إذا حصلت على دعم واسع.

الخطة تتضمن مرحلتين، من المفترض أن يتم تنفيذهما بالتفاوض مع السلطة الفلسطينية وبدعم عربى ودولى. ولا تهدف، كما قال «لابيد»، إلى تسوية الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى، بل إلى «التحرك منذ الآن» من أجل تحسين الظروف المعيشية فى غزة وتهيئة ظروف أفضل للمحادثات المستقبلية. وشدّد الوزير الإسرائيلى على أنه لن تكون هناك مفاوضات مع «حماس»، التى وصفها بأنها منظمة إرهابية تريد تدميرهم. وأكد أن الانتقال إلى المرحلة الثانية لن يحدث «دون دعم وانخراط» مصر، محذرًا من أن قيام حماس بـ«أى خرق» سيوقف العملية، ومهددًا بأن الرد الإسرائيلى على أعمال العنف، سيكون «أقوى من السابق».

فى المرحلة الأولى من الخطة، سيتم إصلاح نظام الكهرباء وتوصيل الغاز وبناء محطة لتحلية المياه وإدخال تحسينات كبيرة على نظام الرعاية الصحية وإعادة تأهيل البنية التحتية للإسكان والنقل و... و... وغيرها، من خلال سلسلة من المعايير المحددة مسبقًا، مع إعطاء كل منها إطارًا زمنيًا محددًا. ولو سارت المرحلة الأولى على ما يرام، سيتغير اقتصاد غزة كليًا، وسيتم تطوير مشروع الجزيرة الصناعية قبالة سواحل القطاع بشكل يسمح ببناء ميناء، ومناطق صناعية وتوظيفية، مع إنشاء شبكة مواصلات تربط بين غزة والضفة الغربية.

ساعات قليلة لم تمر على تصريحات «لابيد»، إلا وأعلن الجيش الإسرائيلى عن اعتراض صاروخ تم إطلاقه من قطاع غزة باتجاه جنوب إسرائيل، فى ثالث حادث من نوعه خلال أيام. ثم شنّ سلاح الجو الإسرائيلى، فجر الإثنين، عدة غارات استهدفت موقعًا فى رفح وموقعين فى خان يونس ورابعًا فى دير البلح، وموقعًا خامسًا فى بلدة بيت لاهيا، أسفرت عن وقوع أضرار جسيمة، لكن لم يتم الإعلان عن سقوط ضحايا أو وقوع إصابات.

المواجهة الأخيرة، أو الأحدث، بين الطرفين، حدثت فى مايو الماضى، وكانت هى الرابعة بينهما منذ سنة ٢٠٠٨، وانتهت بوساطة مصرية. وقبل وبعد التهدئة، بذلت مصر جهودًا كبيرة، كانت محل تقدير العدو قبل الصديق. وأجرت وفود أمنية مصرية زيارات مكوكية بين تل أبيب ورام الله وغزة، قاد بعضها رئيس المخابرات العامة، لتثبيت وقف إطلاق النار وتوسيعه، ليشمل إنهاء الانقسام الفلسطينى، وإعادة إعمار غزة، وإحياء مفاوضات السلام.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى استقبل نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى مدينة شرم الشيخ، أمس الإثنين، وتباحث معه بشأن مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية وعدد من الموضوعات المختلفة، على رأسها القضية الفلسطينية، وسبل وجهود إحياء عملية السلام، و... و... وطبيعى ألا يشير البيان الرئاسى، من قريب أو بعيد، إلى خطة «الاقتصاد مقابل الأمن»، التى لا تزال حبرًا على ورق، أو «فى مرحلة الرسم»، كما أقر وزير الخارجية الإسرائيلى، ونعتقد أنها ستظل كذلك، ما لم تقترن بمسار سياسى جدّى، يستند إلى الشرعية الدولية والقانون الدولى، وينتهى بتسوية سياسية تحقق السلام العادل وتعيد للشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وأولها حقه فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس.