جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر لا تنسى أبنائها.. قصة كريم العائد من الإمارات لتلقي العلاج

كريم
كريم

قبل 4 أعوام تقريبًا كان كريم أحمد توفيق ينهي جميع إجراءات سفره إلى الإمارات، محملًا بالأحلام والسعي نحو مستقبل مغاير يستطيع فيه توفير بعض الأموال التي تعينه على صعوبة الحياة واختيار شريكة حياته.

أحلام "كريم" تبعثرت مرارًا عندما قضى شهورًا يبحث عن عمل مناسب، وآخرى عندما توقفت الحياة نتيجة ظروف كورونا القاسية، غير أنّ قسوتها زادت عندما تعرّض لضغط عصبي ونفسي انتهى بإصابته بسكتة دماغية وعدد من المضاعفات الصحية الآخرى.

يحكى الأب كواليس الشهور القاسية الماضية قائلًا: "في بداية سفره وجد صعوبات، عام ونصف تقريبًا حتى وجد فرصة عمل داخل ملعب لكرة القدم باستاد دبي، غير أنّه بداية من شهر فبراير حتى أغسطس ٢٠٢٠ توقف كل شئ بسبب أزمة فيروس كورونا، بجانب توقف حركة الطيران".

تابع توفيق لـ"الدستور": "كان عليه ديون واستلف من زمايله، وإحنا مكناش قادرين نساعده"، لافتًا إلى ظروف البيع التي توقفت داخل محل الملابس الخاص به؛ ما منعه من مسعدة إبنه خلال فترة إقامته الصعبة في الخارج لحين عودة العمل بعد أزمة الوباء، حتى نصحه بالعودة إلى البلاد.

والد كريم

"يا بابا أنا بقالي 3 سنين ومعملتش حاجة"، كان ذلك رد "كريم" على والده، رافضًا العودة إلى مصر تمامًا، لكن بعد أيام قليلة اختفى الشاب، ولم يستطع الأب الوصول إليه سواء عن طريق الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ثم تواصل مع أحد زملاءه المصريين في العمل، ليبلغه أن الشاب تعرض لضربة شمس حادة، وخضع للعلاج داخل أحد المستشفيات.

انتابت الأب قبضة شديدة في صدره حين سمع عن مرض ابنه، وقرر التواصل مع صديق له في دولة دبي، وطالبه بالتوجه إلى مكان المستشفى الذي يتواجد به "كريم"، للاطمئنان على صحته، وكان رد صديقه لحظة وصوله إلى المستشفى: "إدعيله هو في حالة صعبة، وجتله سكتة دماغية وفي الرعاية المركزة دلوقتي".

كان الشاب مقيمًا في مستشفى دبي، واستقبلته هناك الأطقم الطبية وأجرت له اللازم رغم انتهاء أوراق إقامته، وعدم توافر التأمين الصحي معه، ومكث في الرعاية المركزة لمدة 5 أيام، حتى اشتدت الأعراض بعد ذلك، وأثرت على الكلى بشكل مباشر، وتسببت أيضًا في تلف ببعض خلايا المخ.

"لما الضغط ظبط شوية الدكاترة بدأت تشتغل تاني على حالته"، أوضح الأب أن الأطباء قاموا بسحب المياه من الرئة، وكان يخضع الشاب للغسيل الكلوي يوميًا لمدة 3 أشهر، والتنفس الصناعي وعلاج الكبد، حتى عادت الكلية للعمل بشكل طبيعي مرة أخرى، وهكذا الكبد والرئتين.

كريم

لكن المشكلة التي واجهت "كريم" كانت تكمن في نسبة وعيه، التي توقفت بشكل ملحوظ لمدة 6 أشهر: "قررت السفر في شهر نوفمبر الماضي، للاطمئنان على حالته بعد عودة الطيران، والحصول على قرض من خلال بنك ناصر الاجتماعي، وحين وصلت المستشفى لم استطع التعرف عليه بشكل جيد، فقد تغيرت ملامحه كثيرًا إثر المرض الذي أنهش جسده".

استقر الأب مع "كريم" حتى شهر مايو الماضي، ثم انتقلوا إلى مستشفى أخرى في منطقة جبل علي، حتى ظهرت مشكلة جديدة حين عانى الأب من قلة توافر المال، وأصبح يعتمد بشكل كامل على المعونات المقدمة من قبل المعارف والأصدقاء هناك.

"قعدت هناك 10 شهور، كان اليوم بيعدي عليا كأنه سنة"، عبر توفيق عن قلة حيلته في مساعدة ابنه المريض، والتي وصلت إلى صعوبة توفير مصروفات المستشفى، حين بلغت قيمتها 600 ألف درهم، بجانب الكشوفات الطبية وطلبات تجديد الإقامة.

لم يجد الأب حلًا سوى الدعاء كثيرًا طوال الوقت بأن يبعث الله مددًا للمستضعفين، خاصة بعد أن واجه أزمة أخرى حين أصيب بفيروس كورونا، ما منعه نهائيًا من زيارة ابنه المريض داخل المستشفى، وقضى هناك أسوء أيام حياته، آملًا من الله أن يعود مرة أخرى إلى مصر برفقة "كريم".

كريم 

بعد فترة وجيزة، تعافى "توفيق" من إصابته بالفيروس، وقرر حينها العودة إلى مصر بأي طريقة، وتواصل مع أحد أصدقائه في مصر: "عايز أبعت ميل للرئيس السيسي، وأطلب منه يرجعنا البلد"، نصحه صديقه في ذلك الحين بإجراء مداخلة تليفزيونية وعرض مشكلة بالتفصيل ليكون ذلك الحل أسرع من أي شئ أخر.

استطاع الأب بالفعل إجراء هذه المداخلة في أحد البرامج الشهيرة، واستغاث بالرئاسة لإنقاذ ابنه من الخطر، وفي صباح اليوم التالي، تواصلت مع وزيرة الهجرة لتبلغه أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد استمع لحديثه، وكلف المسؤولين بتلبية احتياجاته على الفور.

شعر "توفيق" في ذلك الوقت أن جميع همومه قد اختفت، ودبت الحياة من جديد في جسده: "بعد نص ساعة من مكالمة الوزيرة، تواصل معايا مسؤول في دولة الإمارات وخد عنوان المستشفى وسهل كل إجراءات السفر لمصر".

في لمح البصر كان الأب برفقة "كريم" داخل البلاد، واتجهوا سويًا إلى مستشفى عين شمس التخصصي، ليستقبلهم هناك مدير المستشفى والأطقم الطبية، التي وفرت للابن جميع الفحوصات الطبية اللازمة، وأكبر غرفة رعاية مركزة لتلقي العلاج اللازم.

وجه "توفيق" في ختام حديثه، الشكر إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، على سرعة استجابته للاستغاثة، رغم انشغاله بالمشروعات القومية إلا أنه دائمًا ما يرعى أبنائه سواء داخل مصر أو خارجها، كما أعاد الفضل إلى كل من ساهم في حل مشكلة "كريم"، آملًا أن يطمئن على حالة ابنه خلال الأيام القليلة المقبلة.