جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أطفال أبوالريش

فى السنوات العشر الأخيرة قبل يناير ٢٠١١، ومع زيادة عدد السكان، تراجعت الخدمات الصحية لحد كبير، كانت ميزانية الصحة ثابتة أو تكاد، وكان هناك تراجع فى الدور الاجتماعى للدولة بشكل عام، فى هذه الظروف، راجت فكرة التبرع من أجل الصحة، كانت فى بعض الأحوال تكشف عن إيمان بالعمل الخيرى، تحمست سيدة أعمال لتأسيس مستشفى لسرطان الأطفال، كان الهدف رائعًا، وأعلنت شخصية نسائية رفيعة المستوى عن دعمها للفكرة، توافق ذلك مع لجوء المسئولين عن المشروع للأساليب الاحترافية فى التسويق، تم تسويق المشروع كسلعة وليس كفكرة إنسانية، تسابق المئات لدعم المشروع بدوافع مختلفة، تم تكثيف الإعلانات عن المشروع، تطوع إعلاميون، ودعاة، وفنانون، ولاعبو كرة للإعلان عن المشروع ذى الهدف النبيل، تم إنفاق التبرعات الكبيرة فى أغراض كثيرة، لاحظ أحد كبار كتابنا أن جزءًا كبيرًا من التبرعات يذهب لبند أجور العاملين، والدعاية والإعلان، وبعض الدورات التدريبية للعاملين وهكذا.. كانت وجهة نظر الكاتب الكبير أن هذه الأموال يجب أن تذهب لعلاج المزيد من الحالات.. هذه التفاصيل ليست موضوع هذا المقال، ما أريد أن أتحدث عنه هو الأثر الجانبى لنجاح القائمين على المشروع فى الدعاية له، توجهت كل التبرعات لمشروع واحد، نسى الناس مؤسسات علاج مجانية تقوم بأعظم الأدوار وفى أمس الحاجة للتبرع، من بين هذه المؤسسات مستشفى أمراض الأطفال فى أبوالريش.. مستشفى جامعى، يعالج الأمراض المستعصية لأطفال مصر من كل أنحائها.. هو مستشفى مجانى.. يلجأ له بسطاء مصر وأبناؤهم من الريف والصعيد.. فكرة مرض طفل من الأساس فكرة قاسية، أن يحوم حوله شبح الموت قبل الأوان بكثير، مع كل التسليم بقضاء الله وقدره يكون السؤال.. لماذا ولد؟ يخوض الأهل صراعًا ضاريًا لإنقاذ طفل هو بمثابة فرحة مؤجلة، وعد لم يتحقق، ابتلاء من الله.. ما دفعنى لكتابة المقال هو منشور على «فيسبوك» يسجل شهادة شخص ذهب للتبرع، يلفت المنشور النظر لظاهرة جانبية، أهالى الأطفال الذين يعالجون، قد لا يستطيعون توفير مكان إقامة فى القاهرة أثناء فترة العلاج، بعضهم يفترش الرصيف المقابل للمستشفى.. هذه ظاهرة من ميراث سنوات مضت.. لكنها لا تليق بمصر الحالية.. أتخيل أن هذا المستشفى تحديدًا جزء لا يتجزأ من مشروع حياة كريمة، وأن صندوق تحيا مصر يجب أن يتدخل مباشرة، سواء لتوفير إقامة لأهالى الأطفال المرضى، ولإعانة غير القادر منهم على تكاليف الإقامة فى القاهرة.. هناك جمعية لأصدقاء مستشفى أبوالريش.. وهناك من يتبرع بالفعل.. لكن المسئولين عن المستشفى قالوا لى منذ سنوات إن عدم وجود إعلانات عن أرقام الحسابات يقلل فرص التبرع.. مطلوب من المسئولين عن قنواتنا الفضائية إتاحة دقائق إعلانية مخفضة للإعلان عن أرقام الحسابات، ومطلوب من مبادرة حياة كريمة أن تعتبر المستشفى وأطفاله أحد مشروعات حياة كريمة، ومطلوب من مؤسسة «تحيا مصر» أن تضم أهالى الأطفال المرضى غير المقيمين فى القاهرة إلى قائمة من تشملهم بالرعاية، وهم كثير، إننى أثق أن الدولة التى تؤمن ببناء الإنسان ستمد يدها القادرة لتقضى على معاناة أطفال أبوالريش، وتحل مشكلتهم حلًا جذريًا شاملًا على طريقتها فى معالجة كل المشاكل.. هذا ما يليق بمصر وبأطفالها وبقيادتها، كما هو العهد دائمًا.